زيادة الرواتب 200% في سوريا: إنقاذ للموظف أم عبء يهدد القطاع الخاص؟
أثار مرسوما زيادة الرواتب الصادران عن الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، واللذان يقضيان برفع أجور العاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين بنسبة 200%، موجة واسعة من الجدل في الأوساط الاقتصادية، وسط تساؤلات جوهرية حول قدرة القطاع الخاص السوري على مجاراة هذه الخطوة دون أن ينهار تحت وطأتها.
وبينما تسوق الحكومة هذه الخطوة كجزء من “برنامج اقتصادي واجتماعي لإنعاش دخل المواطن”، يرى خبراء أن القرار – في حال عدم إسناده بإجراءات موازية – قد يتحول إلى قنبلة تضخمية تُضعف القطاع الخاص وتُفاقم أزمة المعيشة بدل أن تحلّها.
فجوة الرواتب وتكاليف المعيشة
قبيل صدور القرار، كان الحد الأدنى لراتب الموظف في القطاع العام لا يتجاوز 280 ألف ليرة (نحو 27 دولارًا في السوق السوداء)، وبعد الزيادة وصل إلى 750 ألف ليرة، أي ما يعادل حوالي 75 دولارًا، بينما تشير التقديرات الرسمية إلى أن أسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد تحتاج إلى 4.5 مليون ليرة شهريًا (نحو 300 دولار) لتغطية احتياجاتها الأساسية، مما يعني أن الزيادة تبقى، رغم ضخامتها الرقمية، بعيدة عن جسر الفجوة المعيشية.
القطاع الخاص بين المطرقة والسندان
وفق الخبير الاقتصادي جورج خزام، المستشار التنفيذي لشؤون السيولة والنقد في وزارة الاقتصاد، فإن القطاع الخاص بات مهددًا بشكل مباشر نتيجة هذه الزيادة، موضحًا أن أصحاب الأعمال – خصوصًا في قطاعي الإنتاج والخدمات – سيضطرون إلى رفع الأجور لموظفيهم، وهذا سيقود بالضرورة إلى رفع أسعار السلع والخدمات، مما يضع المستهلك النهائي أمام حلقة تضخمية مغلقة يدفع هو ثمنها.
ويحذّر خزام من “أثر الدومينو” الناتج عن الزيادة، مشيرًا إلى أن المنتج المحلي سيصبح أقل قدرة على المنافسة أمام السلع المستوردة، خاصة إذا لم تُرفع الرسوم الجمركية لحماية الصناعات الوطنية. ويضيف أن ارتفاع تكاليف التشغيل، من مواد أولية إلى طاقة وأجور، يجعل أي محاولة لضبط الأسعار بلا أساس اقتصادي.
الرسوم الجمركية وسعر الصرف: مفاتيح الحماية
يشدد خزام على ضرورة إعادة النظر بالسياسات الجمركية، ورفع الرسوم على السلع المستوردة التي تنافس المنتج المحلي، معتبرًا أن “عدم اتخاذ مثل هذه الإجراءات سيحوّل الزيادة من محفز اقتصادي إلى أداة خنق للإنتاج”. كما دعا إلى تثبيت سعر الصرف وتقديم تسهيلات تمويلية للقطاع الصناعي لتجنب كارثة إغلاق مؤسسات وتشريد عمال.
هل يتحمّل القطاع الخاص الزيادة؟ الإجابة: “نعم ولكن بشروط”
يرى مراقبون اقتصاديون أن القطاع الخاص السوري غير قادر حاليًا على استيعاب زيادة بنسبة 200% في الرواتب دون دعم حكومي موازٍ، سواء عبر إعفاءات ضريبية، أو تسهيلات تمويلية، أو حماية حقيقية من المنتجات الأجنبية. فالقطاع الخاص الذي يعاني من تضخم الكلف وغياب الاستقرار النقدي، لن يجد مخرجًا سوى تمرير كلف الأجور الجديدة إلى المستهلك.
وفي حال لم يتم ذلك، فإن النتيجة ستكون إغلاق العديد من الورشات والمصانع، خصوصًا الصغيرة والمتوسطة، وتزايد معدل البطالة، ما يحوّل القرار من إنجاز اجتماعي إلى عامل ضغط اقتصادي مقلق.
الحكومة: القرار ضروري ويمثّل التزامًا اجتماعيًا
في المقابل، دافع وزير الاقتصاد والصناعة، محمد نضال الشعار، عن القرار، معتبراً أنه “خطوة بالغة الأهمية على طريق تحسين المعيشة وتحفيز الاستهلاك”، مشيرًا إلى أن ضخ المزيد من السيولة في السوق سيحرك عجلة الاقتصاد الداخلي، ويمتص جزءاً من الركود الحاصل.
ودعا الوزير الشعار القطاع الخاص إلى اتخاذ “مبادرات مشابهة تتماشى مع التوجهات الوطنية”، مؤكداً أن “مصلحة العامل ومصلحة رب العمل يجب ألا تُفصل، بل تُدار بتوازن يحفظ كليهما”.
خلاصة: معادلة غير مستقرة بلا إجراءات مرافقة
تكشف التجربة السورية مجددًا أن أي زيادة في الرواتب دون إصلاحات أوسع – تشمل الحماية الإنتاجية، وتحسين بيئة الأعمال، وضبط سعر الصرف – قد تؤدي إلى تضخم متسارع لا يوازيه تحسن حقيقي في مستوى المعيشة.
وبينما تنتظر الأسواق كيف سيتفاعل القطاع الخاص مع القرار، تبقى المعادلة معلقة بين نوايا العدالة الاجتماعية ومتطلبات الاقتصاد الواقعي، حيث لا تكفي الشعارات لحماية المصانع، ولا الأرقام لتأمين الخبز.