نزيف المازوت في سوريا: هدر الثروة الوطنية يفضح أزمة إدارة قطاع المحروقات

في الوقت الذي تروّج فيه المنصات الرسمية التابعة للشركة السورية للبترول لاتفاقيات استثمارية دولية بوصفها إنجازات استراتيجية لقطاع الطاقة، يكشف الواقع الميداني عن أزمة أعمق تتمثل في هدر يومي لملايين الليترات من المازوت داخل البلاد، وسط عجز واضح عن ضبط التسرب أو حماية الموارد الوطنية.

وسلّط تقرير نشره موقع “زمان الوصل” الضوء على هذا التناقض الصارخ، متسائلًا عن جدوى توقيع عقود تطوير بمليارات الليرات في الخارج، بينما تُهدر الثروة المتاحة فعليًا في الداخل عبر بوابة المؤسسات العامة نفسها.

المحروقات تتحول إلى بوابة للسوق السوداء:

يشير التقرير إلى أن قطاع المحروقات في سوريا، الذي يُعد العمود الفقري للخدمات الأساسية، تحوّل في بعض جوانبه إلى ممر لتغذية السوق السوداء على حساب المرافق الحيوية.

ففي الوقت الذي تُضخ فيه شهريًا كميات ضخمة من المازوت المخصص للمشافي والأفران والبلديات وقطاع الاتصالات، تؤكد شهادات متقاطعة أن جزءًا كبيرًا من هذه المخصصات يتسرب عبر المولدات الحكومية إلى قنوات غير مشروعة.

شركة “محروقات” في دائرة الاتهام:

وضع التقرير شركة محروقات في صدارة المسؤولية، معتبرًا أنها غيّبت دورها الرقابي رغم امتلاكها الأدوات الفنية اللازمة. وأظهر الواقع الميداني فشلًا في تتبع حركة الصهاريج من المستودعات إلى جهة الاستخدام النهائية، إلى جانب عدم مطابقة المخصصات مع الاحتياج الفعلي.

كما فتح التقرير ملف لجان الجودة والرقابة، واصفًا إياها بأنها واجهات شكلية تفتقر للخبرة الفنية، مع اتهامات لبعض الكوادر بالتنسيق غير المشروع لتمرير هذا الهدر المنهجي.

حلول معروفة… لكن الإرادة غائبة:

بحسب التقرير، فإن الحلول الإدارية متاحة ومعروفة منذ سنوات، ولا تتطلب تقنيات معقدة، بل تبدأ بـ:

1- إعادة تقييم الاحتياج الفعلي للمازوت بناءً على ساعات التشغيل.

2- فرض أنظمة تتبع رقمية بدل التقارير الورقية غير الدقيقة.

3- تشكيل لجان رقابة مستقلة بعيدة عن نفوذ الإدارات التنفيذية.

غير أن غياب الإرادة السياسية والإدارية يبقى العائق الأكبر أمام تنفيذ هذه الإجراءات.

أزمة إدارة لا أزمة موارد:

وما خلص إليه التقرير يضع الشركة السورية للبترول أمام استحقاق أخلاقي ووطني قبل أن يكون اقتصاديًا؛ فالأزمة في إدارة شركة “محروقات” لم تعد تتعلق بتغيير الوجوه أو استبدال مدير بآخر، بل هي أزمة إرادة وغياب لاستراتيجية وطنية تحمي ما تبقى من موارد البلاد السيادية.

وشدد على أن بريق الاتفاقيات الدولية لا يمكنه إخفاء الفشل الإداري في حماية “ليتر المازوت”، الذي بات يمثل للسوريين لقمة العيش ودفء المنازل.

نزيف صامت يهدد ما تبقى من الثقة:

واختتم التقرير بالتأكيد على أن استمرار هذا النزيف الصامت للثروة الوطنية تحت أعين الجهات الرقابية لا يُعد خللًا فنيًا، بل تفريطًا مباشرًا بالمال العام، محذرًا من أن الصمت الرسمي لم يعد مقبولًا في ظل انهيار الثقة بين المواطن والمؤسسات.

إقرأ أيضاً: سادكوب تحت المجهر: محاولة استحواذ من كيان مشبوه تفضح الترهل الإداري في قطاع الطاقة السوري

إقرأ أيضاً: رفع جديد لأسعار المحروقات… “سادكوب” تعدّل التسعيرة وسط غضب شعبي واتّهامات بالفوضى

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.