كيف أضاع تفكيك الجيش بوصلة الأمن في سوريا خلال 2025؟
لم يكن سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 مجرد تغيير في رأس السلطة، بل مثّل انهياراً مفصلياً في البنية الصلبة للدولة السورية وعلى رأسها المؤسستان العسكرية والأمنية، وبعد مرور عام كامل تكشف تطورات 2025 عن مشهد أمني وعسكري شديد التعقيد نتج بصورة أساسية عن قرار تفكيك الجيش السوري السابق دون مسار انتقالي منظم ما أدخل البلاد في فراغ مؤسساتي لا يزال يتوسع باستمرار
تفكيك الجيش.. انهيار الذاكرة العسكرية:
مع الأسابيع الأولى لما بعد السقوط اتخذت السلطة الجديدة قراراً بحل الجيش والأجهزة الأمنية السابقة بشكل كامل في خطوة وُصفت لاحقاً بأنها الأكثر كلفة على الأمن الوطني، حيث أُخرج آلاف الضباط المتخصصين من الخدمة بمن فيهم خريجو الأركان والكليات الهندسية وخبراء الاتصالات والدفاع الجوي ما أفقد الدولة خبراتها المتراكمة وقدرتها على إدارة العمليات المعقدة، ولم يكن التفكيك سياسياً فقط بل تقنياً أيضاً حيث تراجعت السيطرة على الحدود والمجال الجوي وباتت البنية الدفاعية هشة، وترافق ذلك مع شلل في الأمن المدني بوزارة الداخلية حيث جرى استبدال الشرطة والبحث الجنائي بعناصر غير مؤهلة قانونياً ما أدى إلى تراجع الضابطة العدلية وارتفاع معدلات الجريمة والانتهاكات
من الدولة إلى حكم الفصائل.. صعود “جمهورية الشيخ”:
في غياب المؤسسة النظامية برز نموذج سلطوي بديل تقوده القيادات الميدانية ذات الخلفيات الفصائلية أو الدينية فيما بات يُعرف بـ “جمهورية الشيخ”، حيث انتقل القرار العسكري من غرف القيادة المنظمة إلى “الدواوين الميدانية” وحلّ القائد الفصائلي محل الضابط الأكاديمي، وغابت السلسلة القيادية الصارمة واستُبدلت بولاءات محلية وشخصية ما أضعف وحدة القرار والانضباط، ولم تنجح الحكومة الانتقالية في تحويل هذه الفصائل إلى جيش وطني منظم وبقي منطق السيطرة والغنيمة أقوى من مفهوم الخدمة العسكرية النظامية
المقاتلون الأجانب والفرقة 84.. معضلة الجيش الهجين:
أحد أكثر ملفات عام 2025 إثارة للجدل كان دمج مقاتلين أجانب ضمن تشكيلات رسمية بضوء أخضر دولي، حيث جرى استيعاب آلاف المقاتلين الأجانب بينهم عناصر من الحزب الإسلامي التركستاني ضمن وحدات نظامية كـ “الفرقة 84” بذريعة احتواء هذه المجموعات ومنع تحولها إلى خلايا خارجة عن السيطرة وفق تفاهمات أمريكية–تركية، وخلق هذا الواقع حالة تذمر واسعة بين الضباط السوريين السابقين والمنشقين الذين شعروا بأنهم استُبعدوا لصالح مقاتلين أجانب بلا انتماء وطني حقيقي
قسد والسيادة المجزأة.. “جيوش داخل الدولة”:
لم تنجح دمشق الجديدة في حسم ملف قوات سوريا الديمقراطية التي بقيت لاعباً مستقلاً خارج السيطرة المركزية، واقتصرت العلاقة على تنسيق أمني محدود دون خضوع كامل لوزارة الدفاع إذ حافظت قسد على بنيتها وقرارها مستندة إلى دعم أمريكي مباشر، وباتت البلاد تضم قوى عسكرية متعددة الولاءات لكل منها مرجعيتها الإقليمية ما أضعف مفهوم السيادة الوطنية وحولها إلى سيادة مجزأة على الأرض
مجازر الساحل السوري والسويداء:
شهدت سوريا في عام 2025 موجتين من العنف الدموي أثارتا صدمة واسعة، تمثّلت في أحداث عنف طائفي في الساحل السوري (آذار/مارس)، واشتباكات دامية في محافظة السويداء (تموز/يوليو)، تسبّبتا في آلاف القتلى وعمّقتا أزمة العدالة والانتقال السياسي في البلاد.
الحصيلة الأمنية.. اغتيالات وفوضى سلاح:
مع نهاية 2025 تؤكد الوقائع الميدانية فشل السلطة الجديدة في فرض الأمن الشامل وتصاعدت عمليات الاغتيال التي استهدفت ضباطاً سابقين وخبرات عسكرية اختارت البقاء داخل البلاد، ومع انتشار السلاح وغياب هيبة الدولة تحولت مناطق واسعة إلى ساحات نفوذ فصائلي، كما أن ضعف القضاء والشرطة المهنية فتح الباب أمام منطق القوة والانتقام الشخصي بعيداً عن منطق العدالة المؤسساتية
تُظهر تجربة ما بعد السقوط أن تفكيك الجيش السوري لم يؤسس لبناء عسكري جديد بل أحدث قطيعة غير مدروسة مع مؤسسة كانت تمثل العمود الفقري للدولة، وبين سطوة القائد الميداني وانضباط المقاتل الأجنبي واستقلال قسد بقي الضابط الأكاديمي والشرطي المهني خارج المعادلة لتضيع فرصة إعادة بناء دولة القانون خلال السنة الأولى من المرحلة الانتقالية، فسوريا في نهاية 2025 لا تواجه أزمة أمنية عابرة بل تدفع ثمن قرار سياسي متسرع حوّل الأمن من مؤسسة وطنية إلى مشهد فصائلي مفتوح على كل الاحتمالات.
إقرأ أيضاً: تكريم عميد تركستاني في الجيش السوري الجديد يثير تساؤلات حول المقاتلين الأجانب
إقرأ أيضاً: مسيحيو سوريا وتصاعد المخاطر الأمنية: عامٌ أول يكشف هشاشة “العيش المشترك”