الاتصالات الأرضية في ريف دمشق: خدمة غائبة وفواتير حاضرة
لم تعد الاتصالات الأرضية في ريف دمشق مجرد خدمة تعاني من أعطال متفرقة، بل تحولت خلال السنوات الماضية إلى أزمة يومية تثقل كاهل المواطنين، وتكشف ضعف البنية التحتية لقطاع يُفترض أنه من أساسيات الحياة الحديثة. ففي وقت أصبح فيه الاتصال الهاتفي والإنترنت ضرورة لا غنى عنها للعمل والتعليم والتواصل، يجد السكان أنفسهم أمام خدمات متقطعة وجودة متدنية، مقابل فواتير تُدفع بانتظام لخدمات كثيراً ما تكون غائبة فعلياً.
الهاتف الأرضي.. جهاز بلا وظيفة:
علاقة متوترة ربطت السوريين بالهاتف الأرضي، إذ نادراً ما يمر شهر دون انقطاعات واسعة أو تراجع واضح في جودة الخدمة. هذا الواقع حوّل الهاتف الأرضي في العديد من المنازل إلى قطعة ديكور لا أكثر، جهاز صامت في زمن يفترض أن يكون الاتصال فيه متاحاً على مدار الساعة.
ولا تبدو المشكلة ناتجة عن عطل طارئ أو ظرف مؤقت، بل هي حالة عامة تتكرر في المدن والأرياف. ويُعد خروج مقسم أشرفية صحنايا في ريف دمشق عن الخدمة لأكثر من شهر مثالاً صارخاً، حيث انقطعت الاتصالات الأرضية والإنترنت عن آلاف المشتركين، وسط شكاوى من الاستمرار في تحصيل الفواتير رغم غياب الخدمة.
شكاوى المواطنين: انقطاع دائم واعتماد قسري على الموبايل:
يقول يامن حسن لصحيفة “الثورة” السورية إن الهاتف الأرضي في منزله “موجود بالاسم فقط”، مشيراً إلى فترات طويلة قد تصل إلى شهر كامل دون وجود حرارة على الخط، بينما ينقطع الإنترنت لساعات وأيام متواصلة، مضيفاً: “ورغم ذلك نحن ملزمون بدفع الفواتير”.
بدورها، تؤكد أسيمة عبدو أن أسرتها تخلت تماماً عن استخدام الهاتف الأرضي نتيجة الأعطال المستمرة وعدم إصلاحها، إضافة إلى الانقطاع شبه الدائم للإنترنت، ما أفقد الخدمة أي جدوى عملية.
أما المعلمة رشا حسين، فتوضح أن الإنترنت أصبح ضرورة أساسية في عملها لتحضير الدروس والتواصل مع الطلاب، إلا أن ضعف الشبكة والانقطاعات المتكررة يدفعانها للاعتماد على باقات الهاتف المحمول، ما يزيد الأعباء المادية في ظل الظروف المعيشية الصعبة.
وتشير هبة محمد، التي يرتبط عملها بشكل كامل بالإنترنت، إلى أن أي انقطاع يعني خسارة وقت وربما فرصة عمل، لافتة إلى أنها فكرت بالإنترنت الفضائي كبديل، لكنها تراجعت بسبب تكلفته المرتفعة وعدم وجود فرق ملموس في الجودة.
نظام “الأونو” وانقطاع الخدمة ليلاً:
من جهته، يوضح حازم حداد أن الاتصالات الأرضية والإنترنت في منطقته تتوفر لساعات محدودة خلال النهار فقط، بسبب عمل المقسم بنظام “الأونو” الذي يعتمد على وحدات نفاذ تحتاج إلى شحن مستمر، فيما تغيب الخدمة ليلاً نتيجة انقطاع الكهرباء ونفاد البطاريات.
الشركة السورية للاتصالات: سرقات وأضرار جسيمة:
وفي تصريح للمكتب الإعلامي في الشركة السورية للاتصالات لصحيفة “الثورة”، أُرجعت أسباب الأعطال المتكررة إلى الأضرار الكبيرة التي لحقت بعدد من المقاسم خلال السنوات الماضية، إضافة إلى السرقات المتكررة للكوابل النحاسية ضمن الشبكات الرئيسية والفرعية.
وبحسب الإحصاءات الرسمية، فإن كميات الكوابل المسروقة في محافظات مثل ريف دمشق واللاذقية وحمص تجاوزت احتياجات فروع الاتصالات ضمن الخطط السنوية، ما يعكس حجم الخسائر التي تتكبدها الشركة، ويؤثر بشكل مباشر على استمرارية الخدمة وجودتها.
الكهرباء والطاقة الشمسية: حلول جزئية:
أوضحت الشركة أن خروج خطوط “الأونو” عن الخدمة يعود بشكل أساسي إلى الانقطاعات الطويلة للتيار الكهربائي ونفاد البطاريات، مشيرة إلى تزويد عدد كبير من وحدات النفاذ بأنظمة طاقة شمسية، والعمل على استكمال تجهيز باقي الوحدات وفق الإمكانات المتاحة.
وفي المقابل، تواجه هذه الحلول صعوبات في المدن الكبيرة بسبب الحاجة لمساحات واسعة لتركيب الألواح الشمسية، ما يدفع الشركة إلى الاعتماد على خطوط كهرباء معفاة من التقنين لضمان استمرارية الخدمة.
مبادرات محلية.. دعم لا يعفي المسؤولية:
مع تفاقم الأزمة، ظهرت مبادرات محلية في بعض المناطق للمساهمة في إصلاح الشبكات بالتعاون مع جهات خدمية. إلا أن الشركة شددت على أن دور المجتمع المحلي يجب أن يقتصر على الدعم والمساندة وحماية البنى التحتية، مؤكدة أن المسؤولية الأساسية في تشغيل الشبكات وصيانتها تبقى على عاتق الشركة السورية للاتصالات حصراً.
الإنترنت الفضائي: بديل مكلف ونتائج محدودة:
في ظل ضعف الاتصالات الأرضية، اتجه بعض المواطنين إلى الإنترنت الفضائي، إلا أن هذا الخيار لم يكن حلاً مثالياً، بسبب ارتفاع تكاليف التركيب والفواتير الشهرية التي قد تتجاوز 250 ألف ليرة سورية، دون تحقيق تحسن واضح في السرعة أو الاستقرار.
كما يشير مستخدمون إلى أن توسع الإنترنت اللاسلكي يزيد الضغط على مقاسم الاتصالات، ما ينعكس سلباً على جودة الخدمات الأخرى، وهو ما أكدت الشركة متابعته عبر إدارة سعات الشبكة ومراقبة أدائها.
أزمة تتجاوز الاتصال:
لا تقتصر كلفة ضعف الاتصالات في ريف دمشق على انقطاع خدمة تقنية فحسب، بل تمتد لتطال التعليم والعمل وسبل العيش، حيث يتحول ضعف الإنترنت إلى عائق أمام تحصيل الطلاب وخسارة فرص عمل، وزيادة أعباء مالية على أسر تبحث عن بدائل أكثر تكلفة وأقل استقراراً.
وفي ظل استمرار هذا الواقع، إلى متى سيبقى المواطن ملزماً بالدفع مقابل خدمات بات الوصول إليها استثناءً، في قطاع يُفترض أن يكون رافعة للتنمية لا عبئاً إضافياً على حياته اليومية؟
إقرأ أيضاً: انتشار الإنترنت اللاسلكي في سوريا: خدمة جديدة بتقنية قديمة وأسعار مضاعفة
إقرأ أيضاً: درعا: استمرار تدهور الخدمات رغم الوعود الرسمية… وطريق مُعبّد يثير غضب الأهالي