الأسواق السورية: فوضى أسعار مستمرة وغياب للتسعير الواضح
رغم التأكيدات الحكومية المتكررة حول تشديد الرقابة على الأسواق وضبط الأسعار ومنع التلاعب بها، لا تزال الأسواق السورية تشهد حالة من الفوضى السعرية، مع غياب التسعيرة المعلنة عن معظم السلع، وترك تحديد الأسعار لاجتهاد البائع، في مشهد يومي يثقل كاهل المستهلكين ويزيد من حالة عدم اليقين في التسوق.
وتأتي هذه الفوضى في ظل أوضاع معيشية صعبة، حيث تواصل الأسعار ارتفاعها بفعل تقلبات سعر صرف الليرة السورية، وارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل والاستيراد، في وقت لم تشهد فيه الدخول تحسناً يوازي هذا الارتفاع، ما جعل القدرة الشرائية للمواطن تتراجع بشكل ملحوظ.
أسعار متحركة وغياب الشفافية
في محاولة لمعالجة هذا الواقع، أصدرت وزارة الاقتصاد والصناعة قراراً يُلزم المنتجين والمستوردين بتدوين السعر النهائي للمستهلك على المنتجات، بهدف تعزيز الشفافية وحماية المستهلك من الغبن السعري. إلا أن القرار، وفق ما يلمسه المواطنون، لم ينعكس بشكل ملموس على أرض الواقع.
فما تزال غالبية المحال التجارية لا تعلن الأسعار بشكل واضح، ولا تُثبتها على السلع أو على لوائح ظاهرة، ليبقى السعر رهناً بالإبلاغ الشفهي من البائع، الأمر الذي يفتح الباب أمام التخمين، ويجعل تجربة التسوق اليومية مرهقة وغير مستقرة.
ويقول مصطفى عربينية، عامل حر من دمشق، إن غياب التسعيرة بات سمة عامة في الأسواق، موضحاً أنه يدخل إلى السوبرماركت ولا يجد أي سعر مكتوب، ليبلغه البائع بالسعر شفهياً، مضيفاً أن الفرق في السعر بين محل وآخر قد يصل أحياناً إلى 10 أو 15 ألف ليرة للسلعة نفسها. ويشير إلى أن المستهلك بات مضطراً للتنقل بين المحال بحثاً عن السعر الأنسب، دون أي معيار واضح للمقارنة.
ويضيف عربينية أن عملية الشراء أصبحت قائمة على تخمين المستهلك لما إذا كان السعر عادلاً أم لا، مشيراً إلى أن الأمر قد يرتبط أحياناً بتقدير البائع للزبون نفسه، في ظل غياب أي مرجعية سعرية معلنة.
مبررات التجار ومخاوف الاستغلال
من جهتهم، يبرر بعض أصحاب المحال عدم تثبيت الأسعار بحالة عدم الاستقرار في السوق. ويقول سامر الدولتلي، صاحب سوبرماركت في وسط دمشق، إن التاجر لا يقل تضرراً عن المواطن، مشيراً إلى أن الأسعار تتغير بشكل شبه يومي، ما يجعل تثبيتها على المنتجات أمراً صعباً.
ويضيف أن كتابة السعر على السلعة قد تصبح مضللة إذا لم تُبع خلال يوم أو يومين، في ظل التغير المستمر في تكاليف الشراء، لافتاً إلى غياب رقابة عملية وفعالة تضبط السوق. ويقرّ في الوقت نفسه بأن الاكتفاء بالإعلان الشفهي يترك مجالاً واسعاً للاستغلال، ويضع المستهلك في حالة شك دائمة.
موقف رسمي وتحذير من المخالفات
في تصريحات سابقة، أكد مدير حماية المستهلك وسلامة الغذاء في الإدارة العامة للتجارة الداخلية وحماية المستهلك، حسن الشوا، أن إعلان السعر يُعد حقاً أساسياً للمستهلك، وأن الوزارة تتحمل مسؤولية ضمان هذا الحق. وأوضح أن سياسة تحرير الأسعار أتاحت للمنتجين تحديد أسعارهم بناءً على تكاليف الإنتاج والنقل والعوامل الاقتصادية الأخرى، لكنها لم تلغِ شرط الإعلان الواضح عن السعر.
وأشار الشوا إلى تنظيم أكثر من 11 ألف ضبط بحق مخالفين لمبدأ الإعلان عن الأسعار خلال فترة وجيزة، مؤكداً أن الوزارة أصدرت تعليمات تنفيذية لتطبيق القرار عبر الدوريات الرقابية، وأن أي مخالفة ستُعامل كمخالفة تموينية اعتيادية وتُتخذ بحقها الإجراءات القانونية اللازمة.
واقع معيشي لا يتحسن
ورغم هذه التصريحات والإجراءات المعلنة، لا يشعر كثير من السوريين بأي تحسن فعلي في واقع الأسواق أو في قدرتهم الشرائية. ويشتكي المستهلكون من تفاوت كبير في أسعار السلع نفسها بين محل وآخر، وأحياناً بين زبون وآخر داخل المحل ذاته، ما يعكس ضعفاً في تطبيق التسعير الإلزامي الذي تتحدث عنه الجهات الرسمية.
وتقول ندى معضماني، ربة منزل من دمشق، إن الوضع المعيشي يزداد صعوبة مع استمرار ارتفاع الأسعار دون مبررات واضحة، مؤكدة أن غياب التسعيرة المكتوبة يجعل من التخطيط للشراء أمراً شبه مستحيل. وتضيف أن كل زيارة للسوق تحمل مفاجآت جديدة في الأسعار، في ظل دخل ثابت لا يواكب هذا الارتفاع، ما ينعكس قلقاً دائماً على ميزانية الأسرة.
سوق مفتوحة ومستهلك قلق
وسط هذا المشهد، يجد المستهلك السوري نفسه عالقاً بين تصريحات رسمية تؤكد الرقابة وضبط الأسعار، وواقع يومي مختلف تسوده أسعار متقلبة وغير معلنة. وبين ضعف التنفيذ وغياب الشفافية، تبقى الأسواق مفتوحة على فوضى سعرية مستمرة، يتحمل المواطن تبعاتها بشكل مباشر، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى آليات رقابة أكثر فاعلية وتنفيذ فعلي للتشريعات المعلنة.
اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة