تلوث مياه الشرب في دير الزور يهدد حياة مئات الآلاف
لم تعد صنابير المياه في مدينة دير الزور تمنح الحياة، بل باتت تضخ قلقاً يومياً وهواجس مرضية لسكانٍ أنهكتهم الحرب، ليجدوا أنفسهم اليوم في مواجهة “كارثة صامتة” تهدد مئات الآلاف.
مياه غائمة، روائح كريهة، وطفيليات مرئية؛ هي ملامح أزمة تلوث خانقة حوّلت نهر الفرات من شريان للمنطقة إلى مصدر للأوبئة.
عائدون إلى “فخ” التلوث
بعد 15 عاماً من النزوح، عاد يوسف الموسى إلى حي “المطار القديم” ليجد أن استقراره مهدد بما يشربه.
يروي يوسف لـ “نورث برس” بمرارة: “المياه تصلنا مباشرة من النهر دون معالجة أو كلور، وكأننا نشرب من مجرى مكشوف”.
هذا الواقع يضع الأطفال وكبار السن في فوهة المدفع، وسط غياب تام للجان الرقابة والجودة التي يطالب السكان بحضورها لمعاينة الكارثة ميدانياً.
نهر الفرات.. منبع الحضارة ومصب النفايات
في حي “الحميدية”، يكشف قاسم الجباري (صياد محلي) عما تخفيه أعماق النهر، حيث تحول المجرى المائي إلى مكبٍ مفتوح لنفايات المطاعم والمصانع الصغيرة، وصولاً إلى المواد الكيميائية السامة.
يؤكد الجباري أن التلوث لم يعد مجرد “عكارة” في الماء، بل صار سبباً مباشراً في تفشي حالات الفشل الكلوي، الكوليرا، وحتى الأمراض السرطانية
نتيجة اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي والمبيدات القاتلة التي تفتك بالثروة السمكية والبشر على حد سواء.
الفقر.. حين يصبح الدواء رفاهية
في حي “الصناعة”، يبرز الوجه الاقتصادي للأزمة. ربيع أحمد الحاج (63 عاماً)، أنفق مليون ونصف ليرة سورية لتأمين خط مياه خاص، لكن النتيجة كانت مياهاً معكرة لا تصلح حتى لإعداد الشاي.
يقول الحاج بحرقة: “نصائح الأطباء بشرب مياه معقمة هي ترف لا نملكه، فلا عمل ولا مال لشراء الأدوية أو الفلاتر، نحن نكافح لنأكل فقط، فمن أين لنا ثمن المياه الصحية؟”.
صرخة استغاثة: تحركوا قبل فوات الأوان
يجمع سكان دير الزور على أن قضية المياه هي “قضية أمن قومي وصحي” لا تحتمل التأجيل. وتتلخص مطالبهم في نقاط عاجلة:
إعادة تأهيل محطات التصفية والتعقيم المعطلة فوراً.
تفعيل الرقابة الصارمة على جودة المياه الواصلة للمنازل.
وقف التعديات البيئية ومنع صب مياه الصرف الصحي والمخلفات الصناعية في الفرات.
إن استمرار هذا الوضع يعني تحويل كأس الماء إلى “رصاصة صامتة” تصيب جسد المجتمع في دير الزور، مما يتطلب تدخلاً فورياً من الجهات المعنية والمنظمات الدولية
لوقف هذا النزيف الصحي قبل أن تتحول الأزمة إلى جائحة لا يمكن السيطرة عليها.
اقرأ أيضاً:أزمة المياه في سوريا تتفاقم: تحذيرات من عجز مائي حاد بحلول عام 2030
اقرأ أيضاً:خطة وطنية لتطوير قطاع المياه في سوريا: إصلاحات تشريعية ورقمنة شاملة للموارد