السويداء: اتصالات تمهيدية تحت ضغط متصاعد.. والهجري يضع شروطه

تعيش محافظة السويداء على وقع تبعات الأحداث الدامية التي شهدتها منتصف عام 2025، والتي خلّفت عشرات الضحايا وأضراراً واسعة في البنية التحتية، ورسّخت قطيعة متزايدة بين المجتمع المحلي والسلطات المركزية في دمشق. هذه الأجواء جعلت أي محاولة لإعادة فتح قنوات التواصل بين الجانبين مهمة شديدة الحساسية، وسط توقعات إقليمية ودولية لتطورات أكبر في الجنوب السوري.

مصادر محلية أكدت لـ”المدن” أن ما يجري حالياً لا يرقى إلى مستوى مفاوضات رسمية، بل هو “مرحلة اختبار وتمهيد” تقودها الحكومة الانتقالية مع قيادات من داخل المحافظة، في إطار حراك أولي يسعى لتهيئة ظروف حوار فعلي قد يعقد في الأردن. وتشير المعلومات إلى أن هذه الاتصالات تجري بصيغ مرنة قابلة للتبدل تبعاً لمجريات الوضع الميداني.

فشل الاتفاق الثلاثي.. وغياب السويداء عن الطاولة

وترى المصادر أن الاتصالات الجديدة تأتي بعد فشل ما عُرف بـ”خارطة الطريق” الثلاثية التي جرى التوصل إليها قبل نحو شهرين بين سوريا و”إسرائيل” برعاية أميركية وأردنية. ورغم الأجواء التفاؤلية التي رافقت الإعلان عنه، لم تجد هذه التفاهمات طريقها للتنفيذ على الأرض، حيث تواصلت الخروقات الأمنية، وظل طريق دمشق–السويداء مغلقاً جزئياً.

السبب الأبرز في تعثر الاتفاق، بحسب المصدر، هو استبعاد السويداء من التمثيل، وهو ما أثار موجة رفض واسعة داخل المحافظة، وعمّق فجوة الثقة بين الأهالي والسلطات الانتقالية، ما جعل أي ترتيبات مستقبلية دون إشراك فعلي للقيادات المحلية أمراً محكوماً بالفشل.

مساعٍ لحوار جديد: إشراك الزعامة الروحية على رأس الأولويات

خلال الأسابيع الماضية، برزت تحضيرات فعلية لجولة حوار جديدة مقررة في الأردن، تعتمد أساساً على إشراك المرجعية الروحية في السويداء، وعلى رأسها الشيخ حكمت الهجري. وتؤكد المصادر أن الجهات الداعمة لهذه الترتيبات أدركت أن أي اتفاق يفترض أن يمر عبر الزعامة الروحية لضمان شرعية القرار داخل المجتمع المحلي.

وبحسب المعلومات، وافق الشيخ الهجري مبدئياً على المشاركة عبر وفد يمثله، لكنه وضع مجموعة من الشروط لضمان مصالح المحافظة واحتياجات سكانها، ما جعل إشراكه خطوة مفصلية في المسار الجديد.

شروط الهجري: دمج الحرس الوطني وتأمين الإدارة الأمنية

تشمل الشروط التي نقلتها المصادر ثلاثة محاور رئيسية:

  1. دمج الحرس الوطني ككتلة واحدة
    يسعى الشيخ الهجري لضمان دمج الحرس الوطني، التابع للزعامة الروحية، ضمن الجيش السوري الجديد كقوة موحدة ذات قيادة محلية، بما يحفظ شرعيتها أمام الأهالي. ويفرض هذا الدمج مشاركة مؤسساتية ضمن الدولة الانتقالية، دون أن يعني استقلالاً عنها، بل إعطاء المحافظة قدرة على ضبط أمنها بطريقة تمنع تكرار المواجهات السابقة.

  2. انسحاب قوات الأمن العام من شمال وغرب المحافظة
    ويشمل ذلك المناطق التي شهدت الانتهاكات والخروقات الأخيرة، في خطوة تهدف لتهدئة الاحتقان واستعادة الحد الأدنى من الاستقرار.

  3. إغلاق ملفات الملاحقة الأمنية
    وهو شرط يعتبره الأهالي أساسياً بعد سنوات من الاعتقالات والمذكرات، لضمان طي الملفات السابقة وعدم استخدامها مستقبلاً.

وتسعى هذه الشروط، وفق المصدر، لتمكين المجتمع المحلي من إدارة أمنه بالتنسيق مع دمشق، دون الحاجة لأي تعديل دستوري، مع الحفاظ على التوازن بين السلطة المحلية والمركزية.

تعدد الفصائل والتأثيرات الإقليمية

تبدو تعقيدات المشهد في السويداء مرتبطة أيضاً بواقع التعددية العسكرية داخل المحافظة، حيث تتوزع القوى المحلية على تشكيلات متعددة أبرزها:

  • الحرس الوطني وفصائل الكرامة: العمود الفقري للزعامة الروحية، ويضم لواء الجبل وقادة من حركة رجال الكرامة.

  • المجلس العسكري وتشكيلات مرتبطة برؤى إقليمية مثل “بيرق سليمان بن داوود” وغيرها من الفصائل التي تنسق أحياناً مع أطراف خارجية.

هذه التعددية تجعل من توحيد القوى أمراً معقداً، ما يفسر تمسك الزعامة الروحية بدمج الحرس الوطني ككتلة واحدة لتقليل احتمالات التصادم الداخلي ونقل المحافظة إلى مرحلة أكثر استقراراً.

وفي موازاة ذلك، شهد الجنوب السوري في اليومين الماضيين تصعيداً لافتاً، من تحليق مكثف للطيران الحربي إلى رسائل سياسية مباشرة من “الجانب الإسرائيلي”. وتقرأ المصادر هذه التطورات على أنها ضغط إقليمي ودولي على الحكومة الانتقالية لتسريع التفاهمات مع وفد السويداء قبل أي تطور ميداني جديد.

مرونة مشروطة.. الطريق لا يزال طويلاً

تؤكد المصادر المحلية أن ما يجري حالياً لا يتجاوز “مرحلة التمهيد”، وأن أي اتفاق مقبل يحتاج إلى مرونة متبادلة وتعلم من التجارب السابقة التي أثبتت هشاشة التفاهمات المفروضة من الخارج دون قبول محلي واسع.

ويُعرف عن الشيخ الهجري، وفق المصدر، قدرته على التكيف وتغيير مواقفه بما يناسب مصالح المحافظة، وهو ما يجعله طرفاً محورياً قد يسهم في إنجاح أي تفاهم مستقبلي إذا توفرت الضمانات الملائمة.

السويداء بين تحديات الداخل وضغوط الإقليم

تواجه الحكومة الانتقالية اختباراً حقيقياً في تعاملها مع ملف السويداء، بالنظر لتعقيدات المشهد المحلي وتشابكه مع حسابات إقليمية أوسع. وبين تعدد الفصائل، وتاريخ التوترات، والضغوط الدولية المتصاعدة، تبدو الترتيبات الحالية خطوة أولى قابلة للتبدل في أي لحظة.

لكن مصدر “المدن” يرى أن إدراك الأطراف المحلية والدولية لضرورة إشراك الزعامة الروحية، وتوحيد القوى الأمنية، وطيّ الملفات السابقة، يمثل مؤشراً أولياً على إمكانية بناء تفاهم أكثر استقراراً، إذا ما توفرت الإرادة السياسية والضمانات الفعلية لحماية السكان وخصوصية المحافظة.

ويبقى مستقبل السويداء رهناً بقدرة جميع الأطراف على إنتاج صيغة توازن تحترم خصوصيات المجتمع، وتعالج مخاوفه الأمنية، وتضعه على مسار استقرار طويل الأمد ضمن إطار الدولة الانتقالية.

اقرأ أيضاً:خرق للهدنة في السويداء: استهداف بلدة المجدل بطائرة مسيّرة

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.