زيارة متري إلى دمشق تفتح الملفات الشائكة: مقاربة سورية وارتباك لبناني

شهدت العلاقات اللبنانية–السورية خلال الأسابيع الماضية تحولًا لافتًا نحو مسار “إيجابي” عنوانه معالجة الملفات الأمنية والقضائية العالقة، في سياق مساعٍ رسمية لإعادة تنظيم العلاقة بين بيروت ودمشق بعد مرحلة طويلة من التوتر. الزيارة التي قام بها نائب رئيس الحكومة اللبنانية، طارق متري، إلى دمشق جاءت لتعزيز هذا التوجّه، وحملت معها مجموعة من القضايا الساخنة التي تصدرت جدول محادثاته مع القيادة السورية.

ملفات ثقيلة على الطاولة

متري، الذي التقى الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع وعددًا من كبار المسؤولين، من بينهم وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير العدل مظهر الويس، ناقش ملفين أساسيين: العلاقات الثنائية بمستواها السياسي والمؤسساتي، وملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية، والذي تحوّل إلى محور تفاوضي رئيسي بين الجانبين.

وتشير مصادر “المدن” إلى وجود رغبة لبنانية في “إغلاق صفحات الماضي” عبر معالجة الملفات العالقة، في حين أبدت دمشق استعدادًا لتطوير علاقاتها مع بيروت ضمن ما تسميه “انطلاقة سوريا الجديدة”. وتضع الحكومة السورية ملف الموقوفين وترسيم الحدود في مقدمة أولوياتها، معتبرة أنه لا يمكن الانتقال نحو مشاريع التكامل قبل تسوية هذه القضايا.

المطالبة السورية: إطلاق سراح الموقوفين لأسباب سياسية

مصادر مطّلعة أكدت أن دمشق تتمسك بإطلاق سراح الموقوفين الذين اعتُقلوا خلال الاحداث السورية، معتبرة أن الاتفاق القضائي الذي جرى بحثه سابقًا في بيروت لن يحقق هذا الهدف بالوتيرة المطلوبة. وترى سوريا أن تأجيل هذا الملف لم يعد ممكنًا، وأنه يجب التوصل إلى حلول “سريعة”.

على هذا الأساس، تم الاتفاق على زيارة وفد قضائي لبناني إلى دمشق مطلع كانون الأول المقبل لمراجعة ملفات الموقوفين. ووفق معلومات “المدن”، صنّف الوفد اللبناني السجناء المتهمين بالإرهاب إلى ثلاث فئات:

  1. موقوفون انضموا إلى الجيش الحر دون ارتكاب جرائم داخل لبنان.

  2. آخرون أُوقفوا لانضمامهم إلى مجموعات مسلحة أُزيلت عنها لاحقًا صفة الإرهاب.

  3. موقوفون شاركوا في أعمال قتالية ضد الجيش اللبناني.

ويوجد 27 موقوفًا بلا أحكام قضائية، جرى النقاش حول إمكانية إخلاء سبيلهم عبر القضاء اللبناني، إضافة إلى نحو 120 موقوفًا قضوا سنوات طويلة بسبب ارتباطهم بلاحداث السورية، ويُتوقع البحث عن مخرج قضائي لهم خلال الزيارة المقبلة.

نحو تسوية سياسية – قضائية

دمشق لا تريد حصر حلّ الملف بالآليات القانونية، بل تطالب باتفاق سياسي يوفر الغطاء لإطلاق سراح هؤلاء الموقوفين. في لبنان، برزت مقترحات لتخفيض السنة السجنية إلى ستة أشهر بدل تسعة، ما يسهّل الإفراج عن عدد كبير منهم.

وفي إطار الاهتمام الدولي بالملف، طرحت الموفدة الفرنسية آن كلير لوجاندر صيغة تعتمدها فرنسا، تقضي بترحيل السجناء المحكومين بجرائم إلى بلدانهم، مقترحة مساعدة تقنية للبنان وسوريا إذا اتُّفق على اعتماد هذا الخيار.

وفي المقابل، شددت سوريا على أنها لا تطالب بإطلاق سراح الموقوفين المرتكبين لجرائم جنائية مثل الخطف أو الاغتصاب، مؤكدة أن هؤلاء يخضعون لمسار قضائي مختلف يمكن بحثه عبر الاتفاقيات الثنائية.


ترسيم الحدود.. عودة إلى الخرائط الفرنسية

من الملفات التي طُرحت بقوة خلال زيارة متري ملف ترسيم الحدود. وقد عرضت لوجاندر تقديم خرائط تاريخية تعود إلى فترة الانتداب الفرنسي لمساعدة الطرفين في حسم هذا الملف. ورغم ترحيب بيروت ودمشق بالمبادرة التقنية، شدد الطرفان على عدم الحاجة إلى وساطة سياسية من أي دولة، مؤكدين أن الخلافات — وبينها ملف مزارع شبعا — يمكن فصلها عن معالجة بقية النقاط الحدودية.

تنسيق أمني وتطوير للمعابر

تزامنًا مع زيارة متري، كشفت معلومات عن توجه وفد أمني وعسكري لبناني إلى دمشق لبحث ملفات الحدود ومحاربة التهريب، بما يشمل السلاح والمخدرات والأموال. كما بحث متري تسهيل حركة الدخول والخروج بين البلدين، وتطوير البنى التحتية للمعابر الحدودية.

“شخصيات” النظام السابق تحت المجهر

اللقاءات الرسمية تطرقت كذلك إلى نشاط شخصيات تابعة للنظام السوري السابق في لبنان، إذ شددت دمشق على ضرورة منع هذه الشخصيات من القيام بأي تحركات قد تزعزع الاستقرار. وكشفت مصادر قضائية لـ”المدن” أن الأجهزة اللبنانية فتحت تحقيقات بعد ورود استنابة فرنسية تطلب التحقق من وجود عدد من كبار ضباط النظام السابق في لبنان، بينهم جميل الحسن، علي مملوك، وعبدالسلام محمود.

التحقيقات التي أجرتها شعبة المعلومات لم تثبت وجود هؤلاء في لبنان، بينما أشارت المصادر إلى أن رموز النظام السابق مرّوا عبر لبنان ليلة سقوط الحكم وغادروا إلى بلدان أخرى. أما الضباط المتواجدون حاليًا فهم “من الدرجة الثانية”، ولم يصدر بحقهم أي طلب توقيف من سوريا أو من جهات دولية، ما يمنع احتجازهم قانونيًا.

اقرأ أيضاً:زيارة رسمية لبنانية إلى دمشق: مباحثات متقدمة بين متري والشرع

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.