أماكن التزود بالوقود في سورية لها أشكال عديدة، ومنها نماذج تختلف عن غيرها في باقي البلدان، من حيث الشكل ومكان التواجد وطريقة البيع، فإضافة إلى المحطات الرسمية، تنتشر “البسطات” على الأرصفة والشوارع وطرق السفر، وتعبأ الكميات في “غالوناتٍ” وهي عبارة عن عبوات بلاستيكية سعة 10 لتر، أو عبوات مياه فارغة (1/2 لتر)، وبألوان مختلفة منها “الأصفر” و”الأخضر” و”الأحمر”، أما بورصة الأسعار فتختلف بحسب مكان الرصيف الذي توضع عليه، أو المنطقة التي تباع فيها، وتتأثر أيضاً بنوعه إن كان بنزين أوكتان 90 أو 95، والفرق واضح أيضاً فيما إذا كان مصدره لبناني أم سوري.
لماذا تنتشر هذه الظاهرة؟
انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة بيع المشتقات النفطية (البنزين والمازوت) على الطرقات والأرصفة بعد سلسلة من القرارات التي قلصت إمكانية التزود بالوقود للسيارات العامة والخاصة، ووضع العديد من الضوابط في مقدمها عدم القدرة على التعبئة من المحطات إلا بعد وصول رسالة تحدد لك الكمية والموعد، والتي صارت تتأخر بشكل كبير عن الوصول إلى الناس، ما يضطرهم للجوء إلى السوق السوداء، وهي سوق انتعشت كثيراً بعد انخفاض كمية المشتقات النفطية في المحطات، بعد أزمة محروقات تفاقمت خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً مع تطبيق قانون “قيصر” الأمريكي الذي عقّد بشكل كبير إمكانية الحصول على المشتقات النفطية.
ما مصدر هذه المحروقات؟
بعد “شح” المشتقات النفطية من المحطات الحكومية والخاصة، وحاجة المواطنين الكبيرة لهذه المشتقات لأسباب عديدة، عمل البعض لتهريب المادة من لبنان إلى المناطق الحدودية، ومن المناطق الحدودية إلى داخل المدن من خلال تعبئة سياراتهم بالمادة ثم إفراغها وتعبئتها في “بيدونات” لبيعها على الطرقات وفي الأكشاك، لأن نقلها بشكل علني مخالف ويعاقب عليه القانون.
يقول “ياسر” وهو اسم مستعار لبائع محروقات جوال في الشارع من سكان ريف دمشق.. “اذهب إلى منطقة حدودية وأقوم “بتفويل” سيارتي (تعبئة خزان الوقود بالكامل)، ثم أعودة إلى دمشق وأسحب البنزين منها وأبيعه من خلال شاب يجلس على “بسطة” بسعر 90 ألف “للبيدون” 9 لتر، بينما سعر الليتر بتلك المناطق بحدود الـ 7 أو 8 ألف ليرة سورية، يختلف من بائع لأخر، وهو عمل غير متعب ولا يستهلك وقتاً كبيراً فقط “مشوار الطريق” ومردوده جيد، والمادة مطلوبة بالأسواق بشكل دائم”.
المصدر الآخر تمثل ببيع كثيرين لمخصصاتهم سواء من البنزين أو المازوت، إما لعدم حاجتهم لها أو بهدف تأمين مبالغ إضافية تساعدهم على سد احتياجات الحياة، ومؤخراً صارت شوارع عديدة تصل بين منطقتين أو بعض مدخل المدينة والأرياف، لا تخلو من “البسطات” وباعة المحروقات، حتى صارت الكميات الموجودة تنافس محطات وقود بكاملها، وتزداد كمياتها بشكل أكبر بالتزامن مع تفاقم أزمة البنزين في البلاد، لكن المشهد تغير بشكل كبير خلال الأيام الماضية.
لماذا اختفت نسبة كبيرة من “بسطات البنزين”؟
بين ليلة وضحاها، وعلى غير العادة اختفت نسبة كبيرة من “البسطات” وباعة البنزين الجوالين في الشوارع والأكشاك في دمشق تحديداً، بالتزامن مع حدثين، الأول الحريق الضخم الذي التهم عدة محال تجارية في منطقة “السومرية” بدمشق الأسبوع الفائت، حيث رجح البعض أن السبب وراءه هو تواجد كميات كبيرة من المحروقات في المنطقة مع ارتفاع درجات الحرارة، أما الثاني فقد أعلنت شركة “محروقات” مؤخراً إضافة مادة البنزين أوكتان 95 على بطاقات التزود بالبنزين للسيارات الخاصة فقط بكمية 40 لتر يومياً لكل سيارة، وبسقف شهري 1200 لتر، وهي خطوة كانت منتظرة لمنع الاحتكار والحد من انتشار الظواهر غير القانونية.
يقول “أحمد الخطيب” وهو مهندس لـ “داما بوست”.. “القرار جيد لكن في حال تم تطبيقه بشكل سليم، إذا توفرت المادة بالكميات المسموحة وبدون ازدحام و”طابور” تنتظر عليه لساعات، سيحل مشكلة الاحتكار والتلاعب بالأسعار في السوق السوداء، مما يخفف أجار النقل الخاص والسيارات الخاصة”.
ورغم أن المشهد المتغير قد لا يرتبط بالحدثين آنفي الذكر، بل بأسباب سياسية واقتصادية، إلا أن السؤال يطرح حول الأسباب التي أدت إلى الحد من ظاهرة البيع “الحر” للمشتقات النفطية في نسبة كبيرة من مصادرها المعتادة، فهل الحرائق وارتفاع درجات الحرارة هو السبب أم أن الجهات المعنية وجدت الحل فعلاً لمشكلة السوق السوداء؟ عبر قرار زيادة الكميات الممكنة للحصول على البنزين الأوكتان من المحطات الرسمية.