من “الصمود” إلى “الصبر الاستراتيجي”… أين يقف المواطن السوري اليوم؟

داما بوست -يوسف المصري

على مدى سنوات طويلة، ظلّ الخطاب السياسي في سوريا يتبدّل شكلاً ويبقى ثابتاً مضموناً: المواطن هو المطلوب منه دائماً أن يتحمّل، أن يصمد، وأن ينتظر. وبينما تغيّر النظام، وتبدّل المسؤولون، وتغيّرت الشعارات، بقي الواقع واحداً… بل أكثر قسوة.

صفحات الصمود… ووجبة المواطن اليومية:

في زمن النظام السابق، كان المسؤولون يتغنون بـ”الصمود الأسطوري” الذي حققته سوريا في مواجهة الحصار. صمودٌ لم يعرف المواطن منه سوى ارتدادات الأزمات: ارتفاع الأسعار، انهيار الليرة، انقطاع الكهرباء، وانعدام الخدمات.

بينما كان أصحاب المناصب يوسّعون تجارتهم الخاصة ويفتتحون مطاعم فاخرة، كان المواطن يكتفي بوجبة “صمود” على الفطور، وجرعة خطابات وطنية على العشاء.

النظام الجديد… خطاب جديد وواقع قديم:

ومع وصول نظام جديد وحكومة جديدة بوعود التنمية والإصلاح والشفافية، ظنّ المواطن أن الباب قد يُفتح أمام مرحلة مختلفة. لكن الأحلام التي يبنيها الخطاب الرسمي سرعان ما تتلاشى أمام جدار الواقع.

الإعلام الرسمي يتحدث عن أبراج تجارية، مشاريع استثمارية، مذكرات تفاهم بمليارات الدولارات، واهتمام عالمي يتسابق نحو البلاد ذات “الموقع الاستراتيجي”.

الصحف الحكومية تكتب عن مكافحة الفساد، حصر السلاح بيد الدولة، احترام السيادة، وتشكيل لجان تحقيق لمحاسبة المتورطين.

لكن ما إن يضع المواطن قدميه خارج بيته حتى يصطدم بوجه آخر للبلاد: كهرباء مقننة، مياه مقطوعة، إنترنت ضعيف، شوارع تغرق بالقمامة، فوضى مرور، غلاء جنوني في الأسواق، وتفلت السلاح وانتشاره كأنه جزء من المشهد الطبيعي.

الصبر الاستراتيجي… خطاب لا يصل للمواطن:

وفي خضم هذه الأزمات، يطلّ مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، الشاب إبراهيم العلبي، متحدثاً عن “الصبر الاستراتيجي” الذي يقلق “إسرائيل” ويضغط عليها، بينما “إسرائيل” لا تسمع بذلك الصبر، بل تمارس عدوانها على السوريين من خلال طلعات جوية وتوغلات ميدانية واحتلال أراضٍ.

لكن المواطن الذي يسمع هذا الخطاب يجد نفسه مضطراً لتطبيق “الصبر الاستراتيجي” على أمور أخرى تماماً: على ارتفاع أسعار الإنترنت، قرارات الفصل التعسفي، انهيار الليرة، خطف النساء، وانعدام الأمان في الشارع.

بين الصمود والصبر… مواطن يقف وحده:

من الصمود الذي كان شعار الماضي، إلى الصبر الذي أصبح عنوان الحاضر، يقف المواطن السوري عالقاً بين خطابين لا يشبهان حياته اليومية.

يحاول تأمين لقمة عيش عائلته بينما تتوالى الأزمات، وتتعاقب الحكومات، وتبقى الوعود معلّقة فوق رؤوس السوريين كغيمة لا تمطر.

وبينما تتغنى الحكومات المتعاقبة بإنجازاتها، يبقى المواطن السوري هو الحلقة الأضعف…

حلمه يُؤجَّل، ومستقبله غامض، وحقوقه تُستنزف لصالح إمبراطوريات مالية تشكّلت من جيوب الناس.

أما المواطن نفسه، فلا يملك سوى أن يمارس “صبره الاستراتيجي” على واقع لا يحتمل، منتظراً يوماً قد تتطابق فيه الخطابات الرسمية مع الوقائع على الأرض.

إقرأ أيضاً: 7.4 مليون متضرر في سوريا: الصحة العالمية تحذر من انهيار وشيك للنظام الصحي

إقرأ أيضاً: أزمة التدفئة في دمشق وريفها تتصاعد مع بداية الشتاء… أسعار المازوت ترهق الأهالي

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.