يُعدّ الوضع العسكري في سوريا معقدًا للغاية نتيجة تعدد التشكيلات العسكرية، وتنوّع انتماءاتها، وتوزّع انتشارها الجغرافي. فهناك فصائل تتبع وزارة الدفاع في الحكومة الانتقالية، إلا أن اندماجها ضمن الوزارة ما يزال شكليًا حتى الآن، إلى جانب تشكيلات أخرى تابعة لوزارة الداخلية وجهاز الاستخبارات. وفي شمال شرق الفرات، تنتشر قوات سوريا الديمقراطية التي تتبع لها وحدات أخرى تتمتع باستقلالية شبه تامة، فضلًا عن قوات “الآسايش” التي تمثل جهاز الشرطة أو الأمن الداخلي، وهي تُعدّ من القوات الرديفة لقسد.
وفي الجنوب، وتحديدًا في السويداء، ينشط “الحرس الوطني”، فيما يتبع “جيش سوريا الحرة” للقيادة الأمريكية. إلى جانب ذلك، ما تزال خلايا تنظيم “داعش” و”أنصار السنة” نشطة في مناطق مختلفة. كما ظهرت تشكيلات جديدة تدّعي المقاومة مثل “سرايا الجواد”، و”جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا – أولي البأس”، ومجموعة أخرى تُعرف باسم “كتائب أحرار الجنوب”.
تهدف هذه السلسلة من المقالات إلى عرض أبرز هذه القوى العسكرية، وبيان تبعياتها ومناطق انتشارها.
قوات الحكومة الانتقالية:
تنقسم القوات التابعة للحكومة الانتقالية بقيادة رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع إلى ثلاثة أقسام رئيسية، وهي: قوات وزارة الدفاع – قوات وزارة الداخلية – جهاز الاستخبارات العامة
أولًا: قوات وزارة الدفاع:
يرأس الوزارة مرهف أبو قصرة، ويشغل علي نور الدين النعسان منصب رئيس الأركان، بينما يقود عاصم هواري القوات الجوية، ومحمد السعود القوات البحرية السورية. وينتمي جميع هؤلاء القادة إلى هيئة تحرير الشام سابقًا.
وفيما يلي توزّع الفرق العسكرية ضمن المحافظات السورية:
- الجولان السوري المحتل:
خاضع للاحتلال الإسرائيلي، ولا توجد فيه أي قوات سورية. - القنيطرة:
لا توجد فيها قوات عسكرية تنفيذًا للاتفاق الأمني بين الإدارة السورية الحالية و”إسرائيل”، ويقتصر الوجود على قوات شرطة تتبع لوزارة الداخلية. - درعا:
تضم الفرقة 40 بقيادة “أبو فارس درعا” (بنيان الحريري)، برتبة عقيد، وهو أحد القادة السابقين في حركة أحرار الشام. كانت المحافظة سابقًا تحت سيطرة “اللواء الثامن” بقيادة أحمد العودة، الذي اختفى عن المشهد بعد حلّ اللواء. الوجود العسكري الحالي محدود، مع احتمالات لسحب كامل القوات تنفيذًا للاتفاق الأمني بين دمشق و”تل أبيب”. كما تشهد المحافظة أعمال اغتيال مستمرة نتيجة تعدد الفصائل وعدم توحيدها حتى الآن. - السويداء:
خارج سيطرة الحكومة الانتقالية، ولا توجد فيها فرق عسكرية. - دمشق:
توجد فيها الفرقة 90 التي تتولى مهام الحرس الجمهوري، إذ لا يتضمن الجيش الجديد تشكيلًا بهذا الاسم. يقودها العميد “أبو حسين الأردني” (عبد الرحمن حسين الخطيب)، وهو أردني الجنسية وأحد المقربين من أحمد الشرع. تشهد دمشق استقرارًا أمنيًا نسبيًا بحكم كونها العاصمة. - ريف دمشق:
تتمركز فيها فرقتان: الفرقة 70 في شمال وشرق المحافظة، بقيادة العميد عمر محمد جفتشي (تركي الجنسية). تنتشر حتى منطقة التنف التابعة إداريًا لحمص.
يشغل المقدم علي عبد الباقي منصب رئيس أركان الفرقة، والعقيد ضرار هيشان قائد اللواء 76، والعقيد يوسف الغزاوي قائد اللواء 72. كانت هذه الفرقة قد دمجت سابقًا مع “جيش سوريا الحرة” قبل إعادة ضمّ الأخير لوزارة الداخلية. والفرقة 44 تنتشر في جنوب وغرب المحافظة بقيادة العميد محمد الخطيب. - حمص:
تضم الفرقة 52 بقيادة العميد هيثم العلي، أحد قادة الجيش الحر سابقًا، والفرقة 42 في منطقة تدمر بقيادة العقيد رائد عرب. تشهد المحافظة أعلى معدلات الاغتيالات في سوريا، أغلبها بدوافع طائفية في ظل تعدد الفصائل. - حماة:
تتوزع فيها أربع فرق:
الفرقة 62 بقيادة العميد محمد الجاسم (أبو عمشة)، القائد السابق لـ”فرقة السلطان سليمان شاه” التابعة للجيش الوطني، والمطلوب من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لاتهامه بارتكاب مجازر بحق المدنيين.
الفرقة 54 بقيادة العميد حسين عبد الله العبيد (أبو صهيب)، القائد العسكري السابق في “حركة أحرار الشام”.
الفرقة 74 بقيادة العميد جميل الصالح، المنشق عن الجيش السوري السابق والقائد العام لفصيل “جيش العزة” سابقًا.
الفرقة 98 التي تنتشر أيضًا في المحافظة دون تفاصيل إضافية.
- حلب:
تضم أربع فرق عسكرية:
الفرقة 60 بقيادة العميد عواد الجاسم (أبو قتيبة المنبجي)، أحد قادة هيئة تحرير الشام.
الفرقة 76 بقيادة العميد سيف الدين بولاد (أبو بكر)، القائد السابق في “الجيش الوطني السوري”، والمعاقب على القوائم الأمريكية والأوروبية لاتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان.
الفرقة 72 بقيادة “خطاب الألباني”، وتضم مقاتلين من عدة فصائل، أغلبهم من الجيش الوطني، وتُكلّف بمهام قتالية ضد قوات قسد.
الفرقة 80 بقيادة العقيد أحمد رزق، وهو ضابط منشق وأحد قادة الجيش الوطني سابقًا.
- إدلب:
تنتشر فيها فرقتان:
الفرقة 64 بقيادة محمد غريب (أبو أسيد حوران)، القائد السابق في “فيلق الشام”.
الفرقة 82 بقيادة العميد خالد الحلبي (أبو خطاب)، المنشق عن الجيش السابق، وكان قائد “أنصار التوحيد” وأحد أبرز قادة عملية “ردع العدوان”.
- اللاذقية:
توجد الفرقتان 50 و84 وتضمّان عناصر أجانب، وتعملان بسرية عالية لملاحقة ضباط سابقين أو عناصر من الجيش القديم. تشهد المحافظة نشاطات تهريب واغتيالات متكررة ذات طابع طائفي. - طرطوس:
تضم الفرقة 56 بقيادة العميد منير الشيخ، أحد القادة السابقين في هيئة تحرير الشام، ويُعتقد أن نشاطها أمني واستخباراتي بالدرجة الأولى. - دير الزور:
توجد فيها الفرقتان 66 و86، رغم محدودية انتشارهما بسبب سيطرة قوات قسد على أغلب المناطق. يقود الفرقة 66 العميد أحمد المحمد، بينما يقود الفرقة 86 العميد أحمد الهايس (أبو حاتم شقرا)، القائد السابق لـ”أحرار الشرقية” في الجيش الوطني. والمعاقب على القوائم الأمريكية والأوروبية لاتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان. - الحسكة:
لا وجود لقوات وزارة الدفاع فيها، إذ تخضع المنطقة لسيطرة قسد. - الرقة:
كذلك لا وجود لقوات وزارة الدفاع بسبب سيطرة قسد على كامل المحافظة.
أما القوات الجوية والبحرية، فعددها محدود للغاية بسبب تدمير سلاح الجو السوري في الغارات الإسرائيلية بتاريخ 9 كانون الأول/ديسمبر 2024، عقب سقوط النظام السابق، ولأن هيئة تحرير الشام والقوات الحليفة لم تكن تمتلك تشكيلات بحرية أو جوية منظمة.
ثانيًا: وزارة الداخلية:
يقتصر عمل الوزارة على القضايا الجنائية والعمليات الأمنية ضد خلايا تنظيم داعش وقيادات النظام السابق بالتنسيق مع جهاز الاستخبارات العسكرية. يرأسها أنس خطاب، أحد قياديي هيئة تحرير الشام، وتنتشر مديرياتها في المحافظات ضمن وحدات الأمن الداخلي.
ثالثًا: جهاز الاستخبارات العامة:
يرأسه حسين السلامة، وهو أيضًا من قيادات هيئة تحرير الشام. لا تتوافر معلومات كثيرة عن الجهاز، سوى مشاركته في عمليات ميدانية إلى جانب وزارة الداخلية ضد خلايا داعش.
رغم التسميات العسكرية التي تُطلق على الفرق وقوات الأمن الداخلي وجهاز الاستخبارات، فإن هذه التشكيلات لا يمكن اعتبارها من حيث العدد تشكيلات مكتملة حقيقية، نظرًا لمحدودية عناصرها وإمكاناتها، بل هي تحمل صفة “الفرقة” أو “المديرية” من حيث التسمية فقط. وتسعى كل منها حاليًا إلى إعادة هيكلتها وترميمها لتصبح قوات ضمن بنية عسكرية فعلية، لا مجرد تشكيلات رمزية كما هو الحال في الوقت الراهن.
تُعدّ الأيديولوجيا الدينية السلفية الجهادية هي المهيمنة على غالبية قوات الحكومة الانتقالية، نتيجة تبعيتها السابقة للتنظيمات الجهادية مثل هيئة تحرير الشام، التي كانت تُعرف سابقًا باسم جبهة النصرة قبل انفكاكها عن تنظيم القاعدة. ويمثّل ذلك أحد أبرز العوائق الأساسية أمام دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ذات التوجّه الديمقراطي العلماني، والمتأثرة بطبيعة الانتماء القومي الكردي.كما يُعدّ هذا التباين الأيديولوجي أحد أهم أسباب الخلاف مع باقي التشكيلات العسكرية السورية، ومعارضة فئات من المجتمع السوري لهذه القوات التابعة للحكومة، مثل الحرس الوطني في السويداء، أو التحالفات ذات التوجهات الديمقراطية والعلمانية واليسارية أو اتباع المذاهب السّنية المعتدلة مثل الأشاعرة والصوفية.
من جهة أخرى، يعتبر تنظيم داعش أن القوات التابعة للحكومة الحالية قد انحرفت عن النهج الديني الذي كان متّبعًا سابقًا، ولا سيما بعد انضمام سوريا إلى “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي جعلها في مواجهة مباشرة مع التنظيم. وقد كشفت وكالة رويترز عن محاولتَي اغتيال كانتا تستهدف رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع بتنفيذ من خلايا تابعة لتنظيم داعش.
إقرأ أيضاً: معهد دراسات الحرب الأمريكي: تحديات بناء الجيش السوري الجديد بعد سقوط نظام الأسد
إقرأ أيضاً: الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا.. عقدة أمنية بين دمشق وبكين