بين التزوير والاستيلاء.. معارك قانونية لآلاف الحلبيين لاستعادة منازلهم

لم يكن عبد الحميد مصري يتوقع أن يعود من تركيا بعد سقوط نظام الأسد ليجد منزله في حي سيف الدولة بيد أسرة لا يعرفها. المنزل الذي غادره قبل أكثر من عشر سنوات بفعل الحرب، تحوّل اليوم إلى محور معركة قانونية معقّدة يخوضها مصري منذ أشهر، في محاولة لإثبات حقه في ملكية باتت مهددة وسط تضارب الوثائق وتراكمات سنوات النزاع.

يقول مصري لـ”المدن” إن الأسرة القاطنة في المنزل تزعم امتلاكها أوراقاً رسمية تثبت شراء العقار، بل وتهدده باللجوء إلى القضاء، فيما يواصل هو طرق الأبواب القانونية والإدارية على أمل استعادة بيت يراه آخر ما تبقى من جذور عائلته في المدينة.

قصة مصري ليست استثناءً. فأحمد خيرو، الذي نزح من منزله شرقي حلب باتجاه ريف إدلب بعد سيطرة النظام على المدينة نهاية 2016، عاد ليكتشف أن شخصاً آخر يستولي على بيته. ورغم امتلاكه حكماً قضائياً يثبت الملكية، إلا أنه يؤكد أن “سهولة تزوير الأحكام والوكالات خلال سنوات الفوضى تجعل أي وثيقة عرضة للتشكيك”.

ظاهرة واسعة: فوضى الملكيات وغياب أصحاب العقارات

شهدت مدينة حلب خلال سنوات الحرب واحدة من أكبر موجات تبدّل الملكيات العقارية في سوريا، نتيجة النزوح الطويل لعدد كبير من السكان وغياب المالكين الأصليين عن بيوتهم ومتاجرهم. هذا الفراغ فتح المجال لعمليات استيلاء منهجية تعتمد على وثائق مزوّرة أو عقود بيع صادرة عن جهات غير مخوّلة، في ظل تبدّل السيطرة على الأحياء وغياب الرقابة.

ومع تزايد الشكاوى، أصدر محافظ حلب عزام الغريب قراراً بتشكيل لجنة “الغصب البيِّن”، وهي هيئة مكلّفة بكشف حالات الاستيلاء غير القانوني على عقارات المهجّرين. تتألف اللجنة من ثلاثة مختصين في العمل الحقوقي والقضائي، إضافة إلى دائرة الشكاوى التي تستقبل الطلبات وتفلترها، وإدارة الشرطة المكلفة بتنفيذ قرارات الإخلاء وتسليم العقارات بعد التحقق.

حتى منتصف عام 2025، بلغ عدد الشكاوى المقدّمة للجنة نحو 624. تعاملت اللجنة مع 411 حالة، بينما صدر قرار بإزالة الغصب في 88 منها، وتوسّعت التحقيقات في 55 حالة أخرى جراء تعقيدها، في حين أُحيلت 30 حالة إلى القضاء المدني لعدم دخولها ضمن اختصاص اللجنة. ورغم ذلك، ما تزال آلية التسليم تواجه عراقيل كثيرة، أبرزها تأخر الإخلاء بسبب الإنذارات القانونية التي تُمنح للمستولين تجنّباً لوقوع اشتباكات.

كيف جرت عمليات الاستيلاء؟

الخبير القانوني والمحامي عبد الناصر حوشان يوضح أن الاستيلاء على العقارات في سوريا اتخذ أشكالاً متعددة طوال سنوات الحرب. من أبرزها تزوير الوكالات الصادرة عن كاتب العدل، وعقود البيع، وحتى الأحكام القضائية بالتعاون مع شبكات من محامين وقضاة فاسدين.

معركة استعادة البيوت لم تنتهِ بعد

بين وثائق مزورة، وأحكام متضاربة، ولجان مثقلة بالملفات، يعيش مئات الحلبيين اليوم معركة إعادة إثبات ما كان بديهياً قبل الحرب: ملكية منازلهم. ورغم القرارات التي تصدر لصالحهم أحياناً، إلا أن الطريق إلى استعادة العقار يبقى طويلاً وشائكاً، يعكس حجم التحديات التي تركتها سنوات الصراع على البنية القانونية والاجتماعية في المدينة.

قصص عبد الحميد مصري وأحمد خيرو تختصر واقعاً يعيشه كثيرون في حلب: عودة إلى مدينة تغيرت ملكياتها تحت ضغط الحرب والغياب والفوضى، ومحاولة لاستعادة البيوت التي لم تعد بيوتاً فقط، بل ذاكرة وهوية وجذوراً لا يرغب أصحابها في فقدانها مرة أخرى.

اقرأ أيضاً:توتر عشائري في مدينة منبج شرقي حلب

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.