هاجس إسرائيلي من صعود الدور التركي في سوريا: “محور سني جديد”
يثير تصاعد الدور العسكري التركي في سوريا الجديدة قلقاً متزايداً داخل الأوساط الأمنية الإسرائيلية، التي ترى في تحركات أنقرة ملامح “محور سني-إسلامي” جديد قد يحل محل النفوذ الإيراني في البلاد. هذا القلق لم يعد مجرد حديث إعلامي، بل تحول إلى هاجس أمني واستراتيجي تتعامل معه “إسرائيل” بجدية، في إطار خريطة الشرق الأوسط المتحولة التي تسعى واشنطن وتل أبيب لترتيبها بما يخدم مصالحهما السياسية والعسكرية.
ورغم أن بعض التحليلات الإسرائيلية كانت تُتهم بالمبالغة في توصيف نيات أنقرة، إلا أن المقال الذي نشره موقع “آلما” المقرب من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، بعنوان “محور سني-إسلامي جديد؟”، أعاد النقاش إلى الواجهة، معتبراً أن سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة جديدة في دمشق فتح الباب أمام تحول جذري في ميزان القوى الإقليمي.
“التحول الجوهري” واستغلال الفراغ
يرى كاتب المقال، يعقوب لابين، المتخصص في الشؤون العسكرية، أن وصول “جماعات سنية جهادية” إلى السلطة بعد انهيار النظام السابق، أدى إلى استبدال المحور الإيراني-الشيعي بآخر سني تدعمه تركيا. ويشير لابين إلى أن أنقرة “استغلت الفراغ” الذي خلفه انسحاب إيران وحلفائها لتصبح بسرعة “اللاعب المركزي” في تشكيل الجيش السوري الجديد، مشيراً إلى أن تركيا تسعى لترسيخ تحالفها مع دمشق بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، عبر برامج تدريب وتأهيل وتزويد بالأسلحة.
ويضيف الكاتب أن إسرائيل تراقب هذا الدور التركي عن قرب، وتعتبره خطوة استراتيجية تهدف إلى إظهار “قوة تركيا” وتنفيذ أجندة “النيوعثمانية” التي يرفعها الرئيس رجب طيب أردوغان، إلى جانب بناء قوة عسكرية سورية يمكن أن تخدم أهداف أنقرة، خاصة في مواجهة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
قلق إسرائيلي وسؤال مفتوح
المقال الإسرائيلي توقف عند “سؤال مفتوح”، بحسب تعبير لابين، حول ما إذا كانت القوة العسكرية السورية الجديدة قد تُستخدم مستقبلاً ضد “إسرائيل” نفسها. ويقول إن الخطر المحتمل يكمن في أن الدعم التركي لا يقتصر على التدريب الفني واللوجستي، بل يمتد إلى تزويد القوات السورية بأسلحة تركية الصنع يمكن أن تُستخدم يوماً ما ضد أهداف إسرائيلية.
وأشار المقال إلى أن “إسرائيل” تعتبر هذا الواقع “تحدياً طويل الأمد”، إذ ترى في النفوذ التركي داخل المؤسسة العسكرية السورية احتمالاً لاستخدام تلك القدرات بطريقة مستقلة مستقبلاً. ومع ذلك، يعترف لابين بأن خريطة الصراع في سوريا تغيرت جذرياً خلال الأشهر الماضية، فدمشق باتت أقرب إلى محور ينافس إيران، ما قد يشكل – من وجهة نظر إسرائيلية – فرصة لإضعاف طهران ونفوذها في المنطقة.
اتفاق عسكري وتدريب متطور
ويستشهد موقع “علما” باتفاق التعاون العسكري الموقع بين دمشق وأنقرة في آب/أغسطس 2025، والذي يهدف إلى تطوير الجيش السوري وإعادة تأهيل مؤسساته الأمنية وتدريب عناصره وفق معايير حديثة. وبحسب التقرير، يشمل الدعم التركي مجالات التدريب واللوجستيات والتسليح، فيما يثير قلق إسرائيل دخول أنظمة تركية متطورة إلى الخدمة داخل سوريا، مثل مضادات الطائرات عيار 35 ملم التي تنتجها شركة أسيلسان التركية.
ويشير المقال إلى أن التدريب يتم في قاعدة بولاية غازي عنتاب التركية، في إطار برنامج لتقليل اعتماد الجيش السوري على المعدات الروسية ودمجه تدريجياً في العقيدة العسكرية التركية. كما ألمح الكاتب إلى أن بعض الهجمات الجوية الإسرائيلية في الأشهر الماضية، ومنها الغارة التي استهدفت قاعدة جنوب حمص في أيلول/سبتمبر، جاءت رداً على وجود أسلحة تركية الصنع في تلك المواقع، وإن كان هذا التلميح ورد بصيغة غير مباشرة بسبب الرقابة العسكرية الإسرائيلية.
استعداد إسرائيلي محتمل
يخلص لابين إلى أن “إسرائيل” لم تؤكد حتى الآن اتخاذ أي إجراءات ميدانية تحضيرية لمواجهة هذا السيناريو، لكنه يرى أن احتمال تشكّل محور سوري–تركي جديد يستدعي استعداداً أمنياً طويل الأمد. فالدعم التركي، بحسب تقديره، لا يُعد مجرد مساعدة لوجستية، بل خطوة استراتيجية لتأسيس تحالف إقليمي جديد يغيّر موازين القوى في الشرق الأوسط ويعيد ترتيب أولويات الصراع.
اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة