ليس كل حب يُقال: الأمومة الصامتة.. لغة “الأفعال” التي لا تُجيد عبارة “أحبك”!
في زحمة الحياة وضجيجها، اعتدنا أن نربط الحنان بفيض الكلمات، وأن نقيس الحب بمدى تكرار عبارة “أحبك”. لكن، ماذا لو كان هناك نوع خفي من الأمومة، لا يُجيد العبارات الدافئة، ولا يعترف بـ “الإطراء” اللفظي، لكنه يقيم في أدق التفاصيل؟
هذه هي “الأمومة الصامتة”، الأم التي لا تكتب نفسها بالكلام، بل تُقدّم الحب في صورة فعل يومي، وقلق غير معلن، وحضور ثقيل بالمعنى. وكثيراً ما يكبر الأبناء وسط هذا الصمت، متسائلين في حيرة: “هل تحبني؟ لماذا لا تقول لي شيئاً؟”
الصمت لا يعني البرود: عندما يكون الحب عملاً غير مرئي
ليست كل أمّ حنونة تتحدث كثيراً. بعض الأمهات تربّين على كتمان المشاعر، ليس لأنهن لا يشعرن، بل لأنهن لم يُعلّمن كيف يُظهرن. نشأن في بيئات لا تحتفي بالعاطفة، فصرن أمهات يتحدثن بلغة مختلفة تماماً: لغة الأفعال.
هذه الأم الصامتة قد لا تقول “أنا فخورة بك”، لكنها:
تحضّر الطبق الذي تحبه دون أن يُطلب منها.
تفهم ملامح وجهك حين تتظاهر بأنك بخير.
تبقى مستيقظة في انتظار عودتك، دون أن تُخبرك بذلك.
تصحو قبل الجميع لترتيب فراشك.
الأمومة هنا ليست ناقصة، بل هي موجودة، وغنية بالمعنى، وتستحق أن تُفهم بدلاً من أن يُساء تقديرها.
لماذا تختار بعض الأمهات الصمت؟
صمت الأم ليس عيباً، بل غالباً ما يكون نتاج بيئة ونشأة:
الموروث الثقافي:
نشأت في بيئة كانت تختزل الأمومة في “الواجب” والمسؤوليات، لا في الاحتفاء العاطفي.
الخوف من الضعف:
تفضّل الفعل على الكلام وتخشى أن يُظهر التعبير اللفظي ضعفاً أو رقة لا تجيدها.
حمولة المسؤولية:
تحمل الأم نفسها مسؤوليات تفوق طاقتها، فتفضّل أن تركز على الفعل والإنجاز بدلاً من تبادل العبارات.
الأثر العاطفي: كيف يقرأ الأبناء لغة الصمت؟
قد يواجه الأبناء تحدياً عاطفياً كبيراً، فهم ينشأون ويتساءلون: “هل كانت تحبني فعلاً؟”. بالنسبة للكثيرين، الكلمات هي المعيار الأوحد للحب، وغيابها يترك فجوة يصعب تفسيرها.
لكن، مع النضج والوقت، يبدأ بعض الأبناء بفك شيفرة “لغة الصمت”: يدركون أن الطبق الذي كان يُعدّ كل خميس، وتلك النظرة القلقة، كانتا تجسيداً لحب خالص في صورة أخرى.
كسر حاجز الصمت: رسالة صغيرة قد تُغني عن سنوات
لا يجب أن تكون الأمومة أداءً تمثيلياً، لكن التواصل ضروري. لا تحتاج الأم الصامتة إلى أن تتحول إلى متحدثة لبقة، بل تحتاج إلى جسور بسيطة لتوصيل المشاعر:
رسالة مكتوبة:
ترك ملاحظة صغيرة على الوسادة قد تُعوّض سنوات من العبارات غير المعلنة.
احتضان بسيط: حضن صادق يُغني عن 1000 كلمة.
وقت نوعي:
تخصيص وقت ثابت للجلوس مع الأبناء دون طلب، كرسالة قوية بالاهتمام.
الاعتراف الشجاع: مجرد أن تقول الأم:
“لا أعرف كيف أُعبّر بالكلام، لكنني أشعر بأنني أحبك كثيراً” هو خطوة عملاقة نحو الشفاء العاطفي.
الأمومة الصامتة ليست ناقصة، بل هي دعوة لنا جميعاً لنتعلم قراءة الحب في كل أشكاله، حتى لو كان يختبئ في تفاصيل الحياة اليومية، وفي عيون تبحث عنك في كل زاوية.
إقرأ أيضاً : كيف تعتنين بصحتك النفسية وسط مسؤولياتك كأم؟
إقرأ أيضاً : الحدس الفطري أم ضوضاء العقل؟ اكتشفي الفارق الذي يجعلك أماً واثقة
حساباتنا: فيسبوك تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام