من مخلوف إلى جابر: لغة جديدة في الساحل السوري تواكب التحولات الروسية

داما بوست -أسعد موسى

يشهد الساحل السوري حالةً من الترقّب منذ سقوط النظام لما ستؤول إليه الأمور من إعادة رسمٍ للتوازنات، خاصة بعد أحداث السويداء. بينما يرى البعض أن الحالة في الساحل ستشهد عملًا عسكريًا مدعومًا من روسيا، فإن الانفتاح الروسي السوري من جهةٍ أخرى كان يرسم ملامح مقارباتٍ مختلفة، تُوِّجت بزيارة رئيس المرحلة الانتقالية السورية أحمد الشرع ولقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

تلا ذلك بيانان لكلٍّ من رامي مخلوف وأيمن جابر، كانا متشابهين من حيث الشكل، في شكر روسيا والتأكيد على إيجاد حلٍّ للساحل، وأن الأمور ذاهبةٌ إلى تسويةٍ إقليمية.

كان بيان رامي مخلوف قد صدر أولًا، لكنه جاء بصيغةٍ عامةٍ دون تفاصيل. أكّد فيه أن جهودًا كبيرة بُذلت خلال الفترة الماضية لتجنيب الساحل السوري موجات العنف والانتقام، مشيرًا إلى أن “الجهات التي تسعى إلى الفتنة تريد جرّ الإقليم إلى مواجهاتٍ تضعف الموقف الروسي الداعم للشعب الساحلي”، مؤكّدًا في الوقت نفسه أن المنطقة “تمّ تجنيبها بشكلٍ كاملٍ من أيّ معاركٍ قادمة”.

كما كشف البيان عن “تشكيل قيادةٍ جديدةٍ لإقليم الساحل”، تضمّ شخصياتٍ ذات “خبرةٍ وكفاءةٍ وسمعةٍ وطنيةٍ عالية”، لافتًا إلى أن الإعلان الرسمي عنها سيكون “في الوقت المناسب”.
وختم المكتب الإعلامي بيانه بالتأكيد على أن القيادة الجديدة “نقيّةٌ من الفاسدين والمجرمين وتُجّار المخدرات”، وأنها “ستباشر محاسبة المتورطين في مجزرة الساحل الكبرى التي راح ضحيتها نحو ثلاثين ألف شخص”، مشدّدًا على أن “العدالة ستأخذ مجراها عاجلًا أم آجلًا”.

فيما جاء بيان أيمن جابر بعد ساعاتٍ من بيان مخلوف، إلا أنه احتوى على تفاصيل دقيقةٍ ومسارٍ زمنيٍّ واضح.
أعلن عن بدء مرحلةٍ جديدةٍ في الساحل السوري وسهل الغاب وريف حمص الغربي، مؤكدًا أن “الوقت قد حان لإنهاء مرحلة الانتظار الطويل”، وأن ما يحدث اليوم هو “تحقيق مكتوب بدماء الأوفياء وإرادة الرجال”، على حدّ تعبيره.

وأوضح جابر أن الاتفاق الذي تم بين القيادة الروسية وقيادة السلطة المؤقتة يشمل ثمانية بنودٍ رئيسية، من أبرزها “سحب جميع الفصائل من الساحل السوري وسهل الغاب وريف حمص الغربي”، و”إعادة ضباط الجيش العربي السوري السابق إلى مواقعهم”، و”انتشار القوات الروسية مجددًا في مواقعها السابقة لضمان الأمن”، بالإضافة إلى “إطلاق سراح المعتقلين وتشكيل لجان مصالحةٍ داخليةٍ بإشرافٍ وطنيٍّ مباشر”.

كما أشار البيان إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد “الانتقال إلى المرحلة الوطنية الأوسع”، وفقًا للقرار الأممي رقم 2254، بما يضمن “وحدة الأراضي السورية وتهيئة الظروف للانتقال السياسي الكامل”.
وختم جابر بيانه بدعوة السوريين إلى التماسك ورفض الانقسام، معتبرًا أن البلاد “تمرّ بمنعطفٍ وطنيٍّ حاسمٍ يتطلب شجاعةً ووحدة صفٍّ”، مؤكدًا التزامه “بالتنسيق الكامل مع الحلفاء الروس”، ومشدّدًا على أن “المرحلة القادمة ستشهد عودة الأمن والسيادة والكرامة إلى الوطن”.

وقال مصدرٌ مقرّبٌ من مخلوف لـ”داما بوست” إن التواصل بين جابر ومخلوف يجري بشكلٍ جيّد، وأنه تمّ الاتفاق على توقيت البيان بحيث يكون بيان رامي أولًا ويكون عامًّا، ثم يليه بيان جابر ليكون أكثر تفصيلًا، من أجل توزيع الأدوار.

إلا أن مصدرًا مطّلعًا على المفاوضات الروسية السورية فيما يتعلق بأحداث الساحل قال لـ”داما بوست” إن حديث كلٍّ من مخلوف وجابر “غير صحيح”، وما هو إلا “محاولة للتسلّق على التفاهمات بين موسكو ودمشق”، موضحًا أن ما طُرح فعليًا هو “سحب الفصائل العسكرية من الساحل السوري بشكلٍ تدريجيٍّ، وإبقاء عناصر الأمن العام، مع إشراك أهل الساحل في قوات وزارة الداخلية، وإدخال بعض الضباط من النظام السابق في وزارة الدفاع أيضًا بشكلٍ تدريجي، ممن سيحدث حولهم توافق بين دمشق وموسكو”.

من جهةٍ أخرى، يرى مراقبون مطّلعون في حديثهم لـ”داما بوست” أن هذا التفاهم يمكن اعتباره “تفاهمًا مبدئيًا يقضي بإشراك المكوّن العلوي في قوات الأمن والجيش في الساحل السوري”، وأن هذا التفاهم “قد يتطوّر في المستقبل ليمنح العلويين وزنًا أكبر في الساحل من الناحية الأمنية والعسكرية، بما يضمن تشكيل حمايةٍ دائمةٍ وبيئةٍ حاضنةٍ داعمةٍ للقواعد العسكرية الروسية”.

ويمكن اعتبار تصريح قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، الذي قال فيه إنه “إذا أُحرز تقدّم في اتفاق آذار وطُبّقت جميع بنوده، فسنتمكن من منع تكرار أحداث مجازر الساحل والسويداء”، دالًّا على أن عبدي اعتبر من ارتكبها “مسلّحين موالين للحكومة وقوات الأمن”.

وأكد عبدي أنه “يحبّ التوصل إلى اتفاقٍ يتمتع فيه جميع السوريين بحقوقٍ متساويةٍ ويشاركون في بناء الدولة لمنع الهجمات الطائفية المستقبلية”.

ما يعني أنه لا يمكن اعتبار إشارات عبدي عابرةً من حيث التوقيت، في ظلّ الحراك القائم حول المشهد السوري، وخاصة الساحل، ما قد يُظهر دورًا جديدًا مشتركًا في الساحل له ثقلٌ ثلاثيٌّ يجمع “ضباطًا وقواتٍ من النظام السابق، وقوات الجيش السوري الجديد، وقوات قسد”.

إقرأ أيضاً: قرارات تعسفية بفصل مئات الموظفين العلويين في الساحل السوري.. التمييز الطائفي إلى متى؟

إقرأ أيضاً: محافظ طرطوس ينفي شائعات الاتفاق مع روسيا بشأن انسحاب من الساحل السوري

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.