حواجز الرقة تفرض جمركة إلزامية على سيارات الشمال السوري.. 1200 دولار
تعيش مدينة الرقة حالة من الارتباك المروري والإداري بعد قرارات جديدة أصدرتها “الإدارة الذاتية” تقضي بفرض رسوم جمركية وتسجيل إلزامي على السيارات القادمة من مناطق الشمال السوري، وخاصة تلك التي تحمل لوحات صادرة عن إدلب أو مناطق المعارضة السابقة.
ففي مشهد بات مألوفاً عند نقاط التفتيش داخل المدينة، أوقف شرطي مرور قرب دوار النعيم سيارة من نوع “سبورتاج” بلوحة حلب، قبل أن يتم احتجازها بدعوى ضرورة تسجيلها ودفع الرسوم لدى مكتب المرور التابع للإدارة الذاتية. القرار، الذي بدأ تطبيقه مطلع الشهر الجاري، وضع أصحاب السيارات أمام تحديات مالية جديدة وسط أزمة اقتصادية خانقة.
رسوم جديدة تلغي النظام السابق
يقول أحد مالكي السيارات لموقع تلفزيون سوريا إن الإدارة الذاتية فرضت رسوماً جمركية قدرها 1200 دولار أميركي لتسجيل السيارات القادمة من مناطق الشمال، بعد أن كانت في السابق تكتفي بمنح “بطاقة مرور” تجدد شهرياً مقابل 100 ألف ليرة سورية.
ويرى أصحاب السيارات أن القرار الجديد يقلب النظام السابق رأساً على عقب، إذ كانت البطاقة تتيح لهم التنقل بحرية دون إجراءات معقدة، فيما أصبحوا اليوم مطالبين بدفع مبالغ تفوق قيمة سياراتهم في بعض الأحيان.
تبريرات رسمية واتهامات متبادلة
مصدر في الإدارة الذاتية برّر القرار بأنه يهدف إلى توحيد إجراءات تسجيل المركبات وتنظيم السوق، إلى جانب تأمين إيرادات إضافية للإدارة. لكن مراقبين اعتبروا أن هذا التبرير يتناقض مع تعميمات سابقة ألغت الرسوم الجمركية بين مناطق الإدارة الذاتية ومناطق سيطرة الحكومة السورية.
ويشير التناقض في التعليمات إلى اضطراب في السياسات المالية والإدارية داخل مؤسسات الإدارة، الأمر الذي ينعكس سلباً على المواطنين ويزيد من حالة عدم الثقة.
انعكاسات اقتصادية مباشرة
الرسوم الجديدة أدت إلى تراجع حركة البيع والشراء في سوق السيارات داخل مناطق الإدارة الذاتية، خصوصاً في مكاتب السيارات القريبة من دوار حزيمة، حيث باتت الأسعار تختلف بشكل ملحوظ بحسب نوع اللوحة.
فالمركبات التي تحمل لوحات صادرة عن الإدارة الذاتية أو عن النظام تباع بسرعة أكبر وبأسعار أعلى، في حين تتراجع قيمة سيارات الشمال السوري بشكل كبير بسبب صعوبة تسجيلها.
ويقول يحيى الوردي، الخبير في اقتصاد السوق، إن القرار “يؤثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة أن كثيراً من الأهالي يعتمدون على سياراتهم كمصدر رزق، والرسوم المفروضة تشكل عبئاً ثقيلاً على ميزانياتهم المحدودة”.
بين الشرعية والسيطرة
من الناحية القانونية، يرى حقوقيون أن “الإدارة الذاتية” تسعى من خلال هذه الإجراءات إلى ترسيخ سلطتها وتوحيد أنظمتها الإدارية في غياب حكومة مركزية فاعلة في البلاد. إلا أن ذلك يطرح تساؤلات حول شرعية القرارات في نظر الجهات الأخرى، لا سيما أن بعض أصحاب السيارات ما زالوا يحتفظون بأوراقهم الصادرة عن حكومات محلية سابقة.
ويضيف أحد القانونيين أن “هذه القرارات تمثل امتداداً لمحاولات الإدارة فرض نموذج إداري مستقل، لكنها تصطدم بواقع اقتصادي هش وغياب الثقة لدى المواطنين”.
استياء شعبي وطرق التفافية
القرار أثار موجة من الاستياء بين أصحاب السيارات، الذين اعتبروا الرسوم “مجحفة وغير منطقية”، في ظل انهيار الدخل وارتفاع الأسعار. ويشير بعضهم إلى أنهم باتوا يسلكون طرقاً فرعية لتجنب الحواجز، أو يمتنعون عن استخدام سياراتهم بشكل كامل خوفاً من المصادرة.
ويحذر الوردي من أن استمرار هذه السياسات قد يؤدي إلى ركود في سوق السيارات، وربما يعيد ظاهرة “السيارات غير المجمركة” التي انتشرت سابقاً، ما يخلق سوقاً سوداء جديدة يصعب ضبطها.
تحديات أمام الإدارة الذاتية
مع تصاعد الانتقادات، تبدو الإدارة الذاتية أمام معادلة صعبة بين الحاجة إلى تنظيم السوق وزيادة الإيرادات، وبين عدم إثقال كاهل المواطنين في ظل الظروف المعيشية القاسية.
ويرى محللون أن أي سياسة مالية فعالة يجب أن تراعي الأوضاع الاجتماعية للسكان المحليين، وأن تُبنى على حوار مع التجار وأصحاب المركبات لإيجاد حلول واقعية، ريثما يتم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تعيد توحيد مؤسسات الدولة السورية وتنهي حالة التشتت الإداري في الشمال.
اقرأ أيضاً:العراق يتوسط بين دمشق وقسد: محادثات حول الاندماج العسكري وتقاسم عائدات النفط