الليرة الذهبية تتصدر المشهد المالي في سوريا.. ارتفاعات غير مسبوقة
تشهد الأسواق السورية موجة جديدة من الارتفاعات الحادة في أسعار الذهب، وسط تراجع مستمر في قيمة الليرة السورية وتزايد حالة القلق الاقتصادي والمعيشي لدى المواطنين. ويبدو أن المعدن الأصفر بات اليوم الملاذ الأكثر أمانًا لحفظ القيمة في بلد تتآكل فيه المدخرات بسرعة تحت ضغط التضخم وانهيار العملة الوطنية.
فخلال الأيام الأخيرة، قفز سعر غرام الذهب عيار 21 إلى مليون و420 ألف ليرة سورية، بزيادة بلغت نحو 20 ألف ليرة في يوم واحد فقط، بينما وصل غرام الذهب من عيار 18 إلى مليون و230 ألف ليرة. أما على المستوى العالمي، فقد سجلت أونصة الذهب ارتفاعًا لافتًا لتلامس 4356.30 دولارًا أميركيًا، أي ما يعادل نحو 50 مليون ليرة سورية محليًا، لتصل الليرة الذهبية السورية إلى مستوى قياسي غير مسبوق بلغ 11.6 مليون ليرة.
ارتباط مباشر بتدهور الليرة
يرى خبراء الصاغة أن موجة الارتفاع الأخيرة تعكس هشاشة الوضع الاقتصادي وتراجع الثقة بالعملة الوطنية، إذ تجاوز سعر صرف الدولار في السوق السوداء حاجز 11,600 ليرة سورية، وهو ما جعل المواطنين يتجهون بشكل متزايد إلى شراء الذهب كأداة لحماية مدخراتهم.
ويؤكد الحرفي والخبير الاقتصادي معتز هرموش أن التراجع الحاد في قيمة الليرة يشكل العامل الأساسي وراء هذا التهافت، موضحًا أن السوريين فقدوا الثقة في قدرة العملة المحلية على حفظ القيمة، ليتحول الذهب مجددًا إلى “مخزن الثقة” الوحيد. ويضيف أن ارتفاع الأونصة العالمية – المدعوم بالتوترات الجيوسياسية وتذبذب الأسواق العالمية – زاد من الضغوط على الأسعار المحلية، ما جعل حركة السوق أكثر حساسية لتقلبات الداخل والخارج على حد سواء.
إقبال على الليرات الذهبية
ويشير هرموش إلى أن حركة الشراء في السوق السورية تفوقت بشكل ملحوظ على حركة البيع، مع تزايد الإقبال على الليرات الذهبية تحديدًا، كونها تشكل خيارًا عمليًا وسهل التداول والادخار. ويصف هذا الإقبال بأنه “انعكاس مباشر لحالة القلق من المستقبل الاقتصادي”، حيث يسعى المواطنون والمستثمرون الصغار إلى تحويل مدخراتهم الورقية إلى أصول ملموسة يمكن الاعتماد عليها في أوقات الأزمات.
“الذهب أصبح أداة نجاة”
في ظل هذه المعطيات، يتوقع الخبير استمرار صعود الأسعار خلال الفترة المقبلة، طالما بقيت العوامل المحركة في الاتجاه ذاته: ضعف الليرة، اضطراب الأسواق، وتزايد الطلب على المعدن الثمين. وينصح هرموش المدخرين بالاحتفاظ بالذهب أو الاستثمار فيه، معتبراً أنه لم يعد مجرد “ملاذ آمن” تقليدي، بل تحول إلى أداة استثمارية تتيح الحفاظ على القيمة وتحقيق مكاسب في بيئة اقتصادية تتسم بعدم الاستقرار.
ورغم أن الارتفاع المتواصل في أسعار الذهب أثقل كاهل غالبية السوريين، الذين تكاد رواتبهم لا تكفي لتغطية أساسيات المعيشة، إلا أن فئة واسعة ما تزال ترى فيه ضمانة مالية في مواجهة الانهيار النقدي. فالذهب في سوريا اليوم لم يعد زينة أو سلعة كمالية كما كان في السابق، بل وسيلة نجاة اقتصادية في بلد يعيش على إيقاع الأزمات المتتالية.
اقرأ أيضاً:سوق الذهب في سوريا خارج السيطرة؟ تفاوت كبير بين التسعيرة الرسمية وسعر البيع الفعلي