10 أشهر من الصمت: الدراما السورية في غرفة الإنعاش بعد سقوط النظام.. هل فقد الفن روحه التوثيقية؟

في مفارقة صادمة، تمر الساحة السورية بعشرة أشهر عجاف من الغياب الدرامي التام، منذ لحظة سقوط النظام السابق.

فبينما كان من المفترض أن تتحول الأحداث المفصلية والتغيرات الاجتماعية والسياسية العميقة إلى مادة خام دسمة لعشرات الأعمال، نجد الدراما السورية، التي لطالما كانت مرآة المجتمع وأداة للتوثيق، قد تحولت إلى شبح لما كانت عليه.

الدراما السورية، التي عُرِفت بحرفيتها وقدرتها على كسر الصمت وتجاوز الخطوط الحمراء، تبدو اليوم مستنزفة، وكأن روحها فُقدت وسط تفكك بنيتها الإنتاجية وتشتت فنانها

شرخ الانقسام السياسي يقتل الإبداع

أرجع مطلعون ومعنيون بصناعة الدراما هذا الغياب إلى عدة عوامل متداخلة، يقع في صلبها التناقضات العميقة والشرخ السياسي الحاد الذي ضرب الوسط الفني منذ سنوات الثورة.

الخلاف في غرف الإنتاج: انتقل الانقسام بين فنانين مؤيدين للنظام وآخرين معارضين أو مغادرين للبلاد، ليصبح حاجزاً داخل غرف الإنتاج وخيارات التوزيع والرقابة، مما أثر سلباً في إمكانية إنتاج عمل وطني جامع أو سردية فنية متوازنة.

تفكك البنية الإنتاجية: أدى تبعثر الفنانين بين عواصم عربية وأجنبية إلى جعل عملية التجمّع والعمل ضمن بنية إنتاجية سورية متكاملة أمراً شبه مستحيل.

تهميش الفنان السوري: باتت بعض الجهات الإنتاجية في الخارج تتعاطى مع الفنان السوري كـ “عامل فرعي” في صناعات درامية غير سورية، بدلاً من أن يكون محور العمل وجوهره كما كان سابقاً

مطالب بـ “مشروع وطني” لإحياء الدراما

في خضم الحديث عن “عودة الدولة” وإعادة الإعمار، يغيب الحضور الفني تماماً عن المشهد.

لا وزارة الثقافة، ولا نقابة الفنانين، ولا حتى الإعلام الرسمي أظهروا حتى الآن أي مشروع جاد لجمع الفنانين وتجاوز خلافات الماضي وإطلاق عجلة الإنتاج.

ويرى كثيرون أن هذا الغياب يعكس استخفافاً بقوة الدراما في تشكيل الوعي وصناعة اقتصاد ثقافي فاعل يمكن أن يكون جزءاً أصيلاً من عملية الإعمار الشاملة.

فالدراما هي أداة للمساءلة والمصالحة، والتاريخ القريب لسوريا لا يمكن أن يظل معلقاً في الفراغ.

المطلوب اليوم من الدولة السورية الجديدة ونقابة الفنانين هو المبادرة لخلق بيئة فنية حقيقية، تحتضن جميع المبدعين، وتعيد الاعتبار للفنان السوري بغض النظر عن مواقفه السياسية السابقة.

كما يجب على وزارات الثقافة والإعلام الاستثمار في هذا القطاع الحيوي لدعم إنتاجات درامية توثّق المرحلة وتُعبّر عن تحوّلاتها بصدق.

يبقى السؤال معلقاً: هل ستشهد المرحلة المقبلة ولادة مشاريع توحّد الفنانين وتنتج سردية درامية جديدة لما جرى في سوريا

أم أن التشرذم والخلافات ستطول لتبقى الدراما والفنانون منقسمين، حالهما كحال البلاد التي لم تتمكن بعد من رواية حكايتها درامياً كما يليق بها؟

 

إقرأ أيضاً: إلغاء عروض Styria الكوميدية في حماة يفتح ملف الرقابة وحرية التعبير..أين سوريا الجديدة؟

إقرأ أيضاً: شكران مرتجى تتألق في عالم التقديم بـأو لا لا هروب ذكي من تصنيفات السياسة

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.