ألمانيا تتريث في علاقتها مع دمشق بعد سقوط الأسد: تراجع الحماس وعودة مشروطة للتعاون

بداية قوية ثم فتور مفاجئ في العلاقة مع الحكومة السورية الجديدة

شهدت العلاقات بين ألمانيا وسوريا تطورًا ملحوظًا بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، حيث سارعت برلين لفتح قنوات اتصال مع الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع. وتُوّج ذلك بزيارة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إلى دمشق في يناير 2025، برفقة نظيرها الفرنسي، في خطوة رُوّج لها على أنها دعم لعملية الانتقال السياسي، وحماية الأقليات، وربط إعادة الإعمار بالإصلاحات السياسية.

لكن هذا الحماس الألماني لم يدم طويلًا، إذ سرعان ما شهدت العلاقات نوعًا من البرود السياسي والتراجع في الانخراط الدبلوماسي، قبل أن تظهر مؤخرًا إشارات على عودة مشروطة للزخم في العلاقة بين الطرفين.

أسباب التراجع الألماني في دعم الحكومة السورية:

حادثة بيربوك والشرع: إشارة رمزية أثارت جدلًا في أوروبا:

تُعتبر حادثة امتناع رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع عن مصافحة وزيرة الخارجية الألمانية خلال زيارتها لدمشق من أبرز الأسباب التي ساهمت في تجميد الانفتاح الألماني. فقد أثارت الحادثة جدلاً واسعًا في الإعلام والسياسة الأوروبية، وتم تأويلها كدليل على فرض توجهات إسلامية صارمة، ما أثار مخاوف بشأن حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين في سوريا ما بعد الأسد.

المخاوف من دعم حكومة محافظة الهوية:

زاد من تعقيد المشهد اعتماد الحكومة السورية الجديدة سياسات محافظة، منها تعديلات على المناهج الدراسية وتقارير حول انتهاكات بحق الأقليات (العلويين، المسيحيين، الأكراد، الدروز). وقد حذر سياسيون وإعلاميون ومراكز أبحاث ألمانية من تمويل هياكل قد تُرسخ هذه الاتجاهات، وأكدوا أن أي دعم مالي أو سياسي يجب أن يكون مشروطًا بإصلاحات شفافة وتضمينية.

العلاقة الألمانية – السورية: توازن بين الحذر والانخراط المحدود:

رغم الفتور، شهدت العلاقات بعض التحركات المحدودة، أبرزها:

1- إعادة فتح السفارة الألمانية في دمشق في مارس 2025، بعد إغلاق دام 13 عامًا.

2- طرح خطة ألمانية من 8 نقاط تشمل دعم حكومة مدنية تشمل جميع الفصائل (مع استبعاد الإرهابيين)، وتعاملًا عمليًا مع هيئة تحرير الشام.

3- لقاء وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بمدير شؤون الشرق الأوسط في الخارجية الألمانية توبياس تونكل في سبتمبر 2025، لبحث سبل التعاون في مجالات إعادة الإعمار، الصحة، والتدريب المهني.

إعادة تقييم ملف اللاجئين السوريين في ألمانيا:

مع وجود نحو مليون لاجئ سوري في ألمانيا، بدأت برلين بمراجعة سياسات الحماية والإقامة المؤقتة، وألمح وزير الداخلية ألكسندر دوبرينت إلى خطة لإعادة من لا يحق لهم اللجوء، بما في ذلك الشباب القادرين على العمل، أو من عادوا طوعًا إلى سوريا، ما أثار مخاوف بشأن حقوق الإنسان.

الشروط الألمانية لاستئناف التعاون الكامل مع سوريا:

تؤكد الحكومة الألمانية، على لسان وزارة الخارجية، أن أي دعم مالي أو دبلوماسي سيكون مرهونًا بـ:

1- ضمان حقوق الأقليات بشكل كامل.

2- إشراك النساء والفئات المهمشة في مؤسسات الحكم.

3- الابتعاد عن التشدد الديني أو فرض نماذج غير ديمقراطية.

4- تحقيق إصلاحات سياسية قابلة للتحقق.

موقف أوروبا: الحذر سيد الموقف:

يتطابق الموقف الألماني مع توجه أوروبي عام يتسم بالتريث والحذر تجاه الحكومة السورية الجديدة. ويُجمع محللون من مراكز مثل المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية على أن أوروبا لن تُقدم على دعم شامل دون ضمانات سياسية واضحة وفك الارتباط عن الجماعات ذات الخلفية الجهادية مثل “هيئة تحرير الشام”.

ويخشى الاتحاد الأوروبي من أن تُسهم أي عجلة في التطبيع مع دمشق في إضفاء شرعية على سلطات لم تثبت التزامها بالمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان، بحسب تحليلات منشورة في دويتشه فيله وبوليتيكو.

هل تعود العلاقات الألمانية السورية إلى سابق عهدها؟

رغم الإشارات الإيجابية الأخيرة، مثل إعلان التعاون في ملفات التدريب المهني والرعاية الصحية، إلا أن عودة العلاقات بشكل كامل ما تزال مشروطة. فـالانخراط الألماني لا يزال حذرًا وتدريجيًا، ويعكس:

1- رغبة في المشاركة بإعادة الإعمار دون منح شرعية مطلقة.

2- الضغط لتمكين عودة اللاجئين السوريين وتقليل أعباء اللجوء.

3- مراقبة تطور الوضع الحقوقي والسياسي داخل سوريا.

إقرأ أيضاً: تقرير: إصلاح القطاع الأمني في سوريا بعد سقوط الأسد يواجه تحديات معقدة

إقرأ أيضاً: اعتقال أبو دجانة التركستاني وأبو إسلام الأوزبكي: تصفية داخلية أم محاسبة؟

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.