الكتلة الوطنية السورية: مشروع دولة مدنية في مواجهة حكومة الشرع

داما بوست -خاص

بعد سقوط نظام بشار الأسد، دخلت سوريا مرحلة سياسية غير مسبوقة، اتسمت بالفراغ المؤسساتي وتنامي النفوذ الديني في إدارة شؤون الدولة، متمثلة بالحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع. هذا التحول أثار مخاوف واسعة بين القوى المدنية والسياسية، الذين يرون في صعود هذه السلطة خطرًا على الحقوق الفردية ووحدة البلاد. في هذا السياق أعلن الناشط الحقوقي والسياسي هيثم مناع عن تأسيس “الكتلة الوطنية السورية”، وهي حركة مدنية تهدف إلى تقديم بديل ديمقراطي مستقل عن الانقسامات الطائفية والتدخلات الدينية، ورئيسها الدكتور هيثم مناع.

أهمية الكتلة الوطنية في المرحلة الراهنة:

تأتي الكتلة الوطنية في وقت حرج، إذ تحاول سد الفراغ السياسي وإعادة بناء مؤسسات مدنية ديمقراطية. وفق تصريحات طارق الأحمد، عضو لجنة التواصل في الكتلة، فإن الهدف الرئيس للكتلة يتمثل في تشكيل مجلس تأسيسي منتخب من الشعب، لوضع دستور جديد يضمن سيادة الدولة وحماية حقوق الإنسان، بعيدًا عن النفوذ الديني والسياسي الجديد.

الكتلة تمثل فرصة لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، خصوصًا بعد سنوات طويلة من الانقسامات والصراعات، حيث فقد المجتمع السوري جزءًا كبيرًا من ثقته في المؤسسات الرسمية. كما تسعى الكتلة إلى تقديم مشروع شامل يدمج الشباب والنساء والمجتمع المدني، بعيدًا عن أي توجهات مذهبية أو سياسية ضيقة.

نموذج حكومة مدنية نائية عن سلطة الشرع:

واحدة من أبرز رؤى الكتلة هي تقديم نموذج حكومة مدنية مستقلة تمامًا عن النفوذ الديني، قائمة على أسس المواطنة والعدالة الاجتماعية. يشمل هذا النموذج:

  • مجلس تشريعي منتخب يضع القوانين وفق دستور مدني.
  • حكومة تنفيذية مسؤولة أمام البرلمان والمواطنين، تعمل على أساس الشفافية والمساءلة.
  • ضمان الحقوق الفردية والمدنية، مثل حرية التعبير والدين والاعتقاد، بغض النظر عن الخلفية الطائفية.

طارق الأحمد وصف هذا النموذج بأنه “الخطوة الأساسية لإيقاف الانحدار السياسي والاجتماعي الذي قد يفرضه صعود سلطة الشرع، والحفاظ على وحدة البلاد والمواطنة الشاملة.” هذه الرؤية تعكس فهمًا عميقًا بأن أي إصلاح سياسي ناجح يجب أن يضمن مؤسسات قوية، مستقلة عن الصراعات الدينية والإقليمية، مع احترام حقوق الإنسان وتعزيز العدالة الاجتماعية.

التحديات الكبرى أمام الكتلة:

رغم الطموحات، تواجه الكتلة الوطنية عدة صعوبات:

  • مقاومة القوى الدينية المسيطرة، التي قد ترى في أي بديل مدني تهديدًا لنفوذها ومصالحها.
  • غياب قاعدة شعبية واسعة في الداخل السوري بسبب الخوف أو الانقسامات السابقة، ما يجعل بناء دعم شعبي مستمر تحديًا كبيرًا.
  • التدخلات الإقليمية والدولية، التي تحاول دعم قوى معينة لضمان مصالحها بعد سقوط الأسد، وهو ما قد يقوض جهود الكتلة المدنية.
  • التشتت السياسي الداخلي، حيث أن توحيد كافة القوى المدنية تحت سقف واحد يمثل مهمة صعبة لكنها ضرورية لضمان فعالية المشروع المدني.

الرؤية المستقبلية:

تؤمن الكتلة بأن نجاح مشروعها مرتبط بقدرتها على بناء قاعدة شعبية قوية والتواصل مع المجتمع المدني السوري، وتقديم نموذج حكم مدني عملي يعكس إرادة المواطنين ويؤسس لمؤسسات مستقرة. كما تعتبر الكتلة نفسها منصة للتعبير عن الشباب السوري، الذين طال انتظارهم لمشاركة حقيقية في إدارة الدولة بعيدًا عن الانقسامات الطائفية.

طارق الأحمد يؤكد: “نحن نواجه لحظة تاريخية يمكن فيها إعادة بناء الدولة على أسس المواطنة والعدالة، وتقديم نموذج فريد لحكومة مدنية لا تخضع للغلبة الدينية أو للطائفية.”

الكتلة الوطنية السورية تمثل بذلك رسالة أمل وفرصة لإعادة صياغة الدولة السورية على أسس مدنية ديمقراطية، مع التركيز على المواطنة الشاملة، والعدالة الاجتماعية، وسيادة القانون، بعيدًا عن تأثيرات السلطة الدينية أو التدخلات الخارجية

انعكاسات صعود سلطة الشرع ودور الكتلة الوطنية:

صعود حكومة الشرع بعد سقوط الأسد لم يؤثر فقط على المشهد السياسي، بل أحدث تغييرات اجتماعية عميقة في المجتمع السوري. القيود الدينية والسياسات الطائفية أثرت على حرية التعبير، وفرضت قيودًا على مشاركة النساء والشباب في الحياة العامة، وزادت من شعور الأقليات بالمظلومية. في هذا السياق، تأتي الكتلة الوطنية السورية لتكون صوتًا مدنيًا يدافع عن الحقوق الفردية والجماعية، ويقترح إطارًا سياسيًا يوازن بين السلطات ويحمي الحريات.

وفق طارق الأحمد، “الكتلة تسعى لإعادة الاعتبار للمواطن السوري كفرد له حقوقه الكاملة، بعيدًا عن أي سلطة دينية تقيد حرياته أو تتحكم بمستقبل الدولة. نحن نؤمن بأن بناء الدولة المدنية يبدأ بحماية كل المواطنين دون تمييز.” هذه الفقرة تسلط الضوء على الدور الوقائي للكتلة، ليس فقط كبديل سياسي، بل كحامي للقيم المدنية الأساسية في مرحلة حرجة من تاريخ سوريا الحديث.

إقرأ أيضاً: الكتلة الوطنية السورية ترفض الاتفاق الثلاثي وتؤكد تمسكها بوحدة سوريا ورفض الوصاية الأجنبية

إقرأ أيضاً: تحولات دراماتيكية في المشهد السوري: تزامنات وتفاعلات سياسية معقدة

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.