تسود حالة من الترقب لما قد يصدر عن قمة “بريكس” الخامسة عشر المزمع عقدها في عاصمة جنوب إفريقيا جوهانسبرغ في 22-24 أغسطس/آب الجاري، عقب تقدم أكثر من 40 دولة بطلبات انضمام إلى المجموعة، بينها 23 تقدمت بطلبات انضمام رسمية بينها عدد من الدول العربية والإقليمية.
وبينما ترسم “بريكس” لتوسع يضم عدداً كبيراً من الدول النامية، يبدو الغرب قلقاً من تمدد النفوذ الاقتصادي والسياسي لهذه المجموعة، وسط حالة التنافس المتزايدة بينها وبين مجموعة السبع التي تشعر بخطر صعود منافستها السريع، التي صارت المنافس الاقتصادي الأكبر بالنسبة لها على المستوى العالمي.
كيف تتفوق بريكس على مجموعة السبع:
يطمح تكتل بريكس إلى إيجاد نظام اقتصادي متفوق على النظام الذي تقوده الولايات المتحدة، إذ ترى الصين في هذا التكتل، نموذجا لمناصرة الاقتصادات النامية والفقيرة. ومنذ انطلاقتها، شكل الجانب الاقتصادي العمود الفقري الرئيس لتأسيس مجموعة بريكس، وأخذ الأعضاء يطورون خططهم الاقتصادية كتكتل واحد، وصولا إلى قوة اقتصادية قادرة على مواجهة القوة الاقتصادية الغربية الحالية.
وفي إحصائيات العام الماضي، أظهرت بيانات صندوق النقد الدولي، أن مساهمة التكتل بلغت 31.5 بالمئة في الاقتصاد العالمي بنهاية 2022، مقابل 30.7 بالمئة للقوى السبع الصناعية، كما تشير إلى أن حجم اقتصاد الصين لوحده، يفوق 6 من اقتصادات مجموعة السبع.
مستقبل عالم جديد:
يرى المحلل السياسي الصيني “إلهام لي” في تصريحه لـ “داما بوست” أن تطوير “بريكس” يمثل مستقبل جنوب العالم، وتوسيع عضويتها سيزيد وزن دول “بريكس” في الاقتصاد العالمي دون شك، وعزز “لي” فكرة أن تطور هذه المجموعة أثار قلق الغرب، سواء من ناحية التعاون السياسي أو العسكري، سيما أن رفض دول البريكس التعاون مع الولايات المتحدة في حرب أوكرانيا، ما أظهر استقلالية استراتيجية هذه المجموعة وهو ما جعل الغرب يشعر بالقلق وضغوط المنافسة، على حد قوله.
وحول الخط التصاعدي الذي تأخذه “بريكس” اقتصاديا، أشار المحلل إلى أن “إزالة الدولرة” هو اتجاه عام، خاصة بعد اندلاع أزمة أوكرانيا، لأن الولايات المتحدة قامت بحجب وتجميد أصول النقد الأجنبي للحكومة الروسية والأفراد، مما يجعل الدول في جميع أنحاء العالم تحذر من مصداقية الدولار الأمريكي، الذي انخفضت الثقة به بشكل حاد”.
عوائق النظام المالي الخاص:
يؤكد الباحث الصيني “إلهام لي” أن الهدف الأول المهم لهذه القمة هو إنشاء نظام الدفع في مجموعة بريكس، والثاني هو إنشاء صندوق النقد للدول الأعضاء، لكن بسبب الخلافات بين دول بريكس، لم يتم تضمين “إزالة الدولرة” بشكل واضح في جدول أعمال القمة، لذلك سيبقى الدولار الأمريكي العملة الرئيسية في العالم لفترة من الوقت، ولكن من الحقائق أيضا أن مصداقية الدولار الأمريكي ستستمر في الانخفاض وكذلك نسبة تداوله بين العملات الرئيسية العالمية.
ولفت “لي” إلى أن الاختلاف حول “إزالة الدولرة” يعود إلى كل دولة لسبب مختلف، فبسبب العقوبات المالية والنقدية التي تم تنفيذها بشكل مشترك من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، فإن روسيا هي الأكثر تصميما وراديكالية في “إزالة الدولرة” فقد تم بيع حيازات روسيا من سندات الخزانة الأمريكية تقريبا، وانخفضت نسبة الدولارات الأمريكية المستخدمة في الأنشطة الاقتصادية بين روسيا ودول العالم بشكل حاد، أما بالنسبة للبرازيل فبسبب معاناتها التاريخية للاستعمار طويل الأجل، فهي تملك وعياً بتأثير هيمنة الدولار الأمريكي السلبي على اقتصادها، أما الهند فهي تقوم بنشاط على تعزيز تسوية العملة المحلية بهدف تطوير الروبية الهندية إلى عملة دولية، إنما مواقف الصين وجنوب إفريقيا محايدة نسبيا، وهما يوليان مزيدا من الاهتمام لمبادلة العملات وتسوية العملة المحلية في إطار آلية تعاون بريكس، على حد تعبيره.
بعد شنغهاي.. إيران تحاول الانضمام لبريكس:
وفي سياق تقدم إيران بطلب للانضمام، ركّز المحلل السياسي والباحث الاقتصادي في إيران “سعيد شاوردي” في تصريح لـ “داما بوست” على الآمال الإيرانية لأن تصبح عضواً في مجموعة دول بريكس، مؤكداً أنها تجري مشاورات مع الدول الأعضاء في هذه المجموعة.
وقال “شاوردي” إن “العديد من دول بريكس تدعم انضمام طهران للمجموعة، ومن بينها روسيا التي تؤكد دعمها لانضمام إيران كما جاء ذلك خلال اتصال هاتفي جرى خلال الأيام الأخيرة بين الرئيسين رئيسي وبوتين”.
ويرى الباحث أن أهداف إيران من الانضمام تتمثل برغبتها في إفشال العقوبات المفروضة عليها من خلال الالتحاق بمجموعة بريكس وتنمية علاقاتها التجارية والاقتصادية مع دول هذه المجموعة، مشيراً إلى أن اعتماد العملات الوطنية والاستغناء عن الدولار الأمريكي سيمكن طهران من رفع نسبة صادراتها سواء النفطية أو غير النفطية للعديد من دول العالم حتى في ظل استمرار العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.
وبيّن “شاودري” أهمية تطور التجارة الخارجية لإيران بإعادة نظر واشنطن في عقوباتها المفروضة، حيث إنها ستلاحظ أن العقوبات ضد طهران لم تعد تؤدي الغرض المرجو منها وتحرم الدول الأوروبية من السوق الإيرانية وكذلك النفط والغاز الذي تزود به إيران العالم، حسب قوله.
وربط الباحث دور قبولها في بريكس وماسينعكس عنه كمكمّل لعضويتها في منظمة شانغهاي والتي أصبحت عضواً رسميا فيها.
وكانت إيران قد أصبحت عضواً رسمياً دائماً في منظمة شنغهاي للتعاون، في الـ 4 يوليو / تموز هذا العام، بعد إعلان ذلك من قبل رؤساء دول المنظمة، الذين شددوا على الأهمية التاريخية لقبول إيراني كعضو في المنظمة.
تعاظم بريكس يشمل توسيع النطاق العسكري:
ولم يتوقف الأمر على تغييرات اقتصادية فحسب، فالتطورات العالمية المتسارعة والحروب التي تخاض على أراضي دول عدة، فرضت حالةً من القلق لدى معظم الدول التي باتت تسارع للالتحاق بالتكتلات الصاعدة، إذ رأت بعض الدول المتقدمة بطلب انضمام للبريكس غطاءً أمنياً عسكرياً واقتصادياً أيضاً.
قد يكون اللافت هذه المرة أن الدول المتقدمة للبريكس العديد منها دول عربية، وهو ما يثير استفزاز الجانب الأمريكي بشكل أكبر باعتبارها تملك نفوذاً في هذه الدول ولها أذرع عدة.
ويرى المحلل السياسي غسان يوسف في تصريح خاص لـ “داما بوست” أن الانضمام لمجموعة لبريكس لن يعود بالفائدة المرجوة للدول المتقدمة كون بريكس تضم دولاً مختلفة اقتصاديا وسياسيا، مضيفاً أنها غير قادرة على فعل الكثير في ظل التنافس الذي تشهده دولها، على حد قوله.
وعلى وجه الاختلاف بين القوتين العظميين، يقول “يوسف” أن النهج السياسي والاقتصادي الموحد والمعروف للقطب الأمريكي والأوروبي هو ما يكسبه قوة، ويصعب على “بريكس” منافسته بالعديد من النواحي، نظراً للاختلاف الاقتصادي والسياسي بين دول هذه المجموعة.