لم يكن فوز “خافيير ميلي” بالانتخابات الرئاسية الأرجنتينية في التاسع عشر من الشهر الجاري إلا تأكيداً على الاتجاه اليميني المتطرف الذي تخطو باتجاهه دول أمريكا الجنوبية في السنوات الأخيرة.
فوز “ميلي” برئاسة الأرجنتين سبقه تولي اليميني المتطرف “جايير بولسونارو” رئاسة البرازيل خلال فترة (2019–2022) قبل سقوطه في جولة الإعادة أمام منافسه اليساري “لولا دا سيلفا” الرئيس الحالي لكن بالمقابل نجح الحزب الليبرالي اليميني المتحالف أساساً مع “بولسونارو” بالحصول على 99 مقعداً في مجلس النواب إضافة الى حصول اليمينيين على 31 مقعد من أصل 27 مقعداً في مجلس الشيوخ البرازيلي.
غزو الفكر اليميني المتطرف لم يقتصر فقط على البرازيل والأرجنتين فقط بل تعداه إلى كولومبيا حيث نافس رجل الأعمال اليميني “رودولفو هيرنانديز” بقوة للوصول إلى السدة الرئاسية في بوغوتا لكنه خسر في جولة الإعادة الرئاسية أمام المرشح اليساري “جوستافو بترو” في حزيران/يونيو 2022.
وفي مؤشر آخر على استمرار صعود اليمين المتطرف في أمريكا الجنوبية احتل “باراجوايو كوباس” المركز الثالث في انتخابات رئاسة باراغواي في نيسان/أبريل 2023 بنسبة 23% من الأصوات فضلاً عن فوز “ماريا ماتشادو” اليمينية المتطرفة في الانتخابات التمهيدية للمعارضة الفنزويلية التي جرت في تشرين الأول/أكتوبر 2023 لاختيار المرشح الرئاسي لانتخابات عام 2024.
وفي تشيلي كان للحضور السياسي لليمين المتطرف مكانة جيدة حيث شهدت الانتخابات الرئاسية منافسة قوية للوصول إلى الحكم حيث حلَّ “خوسيه أنطونيو كاست” في المركز الثاني بجولة الإعادة في كانون الأول/ديسمبر 2021 كما يسيطر الحزب الجمهوري الذي يمثله كاست حالياً على المجلس الدستوري المنوط به صياغة دستور جديد في تشيلي مع فوز أعضائه بـ50 مقعداً بالمجلس في انتخابات أيار/مايو 2023.
ورغم احتلاله “لوبيز ألياجا” مؤسس حزب التجديد الوطني اليميني المتطرف المركز الثالث في انتخابات الرئاسة في بيرو لعام 2021بحصوله على 11.75% من الأصوات إلا أنه تمكن من الفوز في انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2022، واختير عمدة للعاصمة “ليما”.
و بلاشك يترتب على وصول اليمين المتطرف الى السلطة مخاطر عديدة ستنعكس بشكل سلبي على سياسات معظم دول أمريكا الجنوبية لاسيما على الصعيد الداخلي تتعلق بالرؤية المتشددة بشأن العديد من القضايا، خاصة ما يتعلق بحقوق الإنسان والتعامل الصارم مع الجريمة المنظمة إضافة إلى ميول اليمينيين الدائم بالصدام مع مؤسسات الدولة وتبني مواقف راديكالية من بعض القضايا المحلية الأمر الذي يضعهم في صدام مباشر مع مؤسسات الدولة وهم لا يتوانون في هذا الإطار من تهديد المؤسسات الديمقراطية المنتخبة ومثال ذلك انتقاد الرئيس الأرجنتيني “ميلي” البنك المركزي في بلاده وتعهد بإلغائه في ظل اعتقاده بأنه المسؤول عن الارتفاع الجامح في معدل التضخم الذي يزيد عن 140%.
كما يحرص اليمين المتطرف على الصعيد الاقتصادي على دعم برامج الخصخصة وخفض الإنفاق الحكومي وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد وهو ما قد يحرم قطاعات كبيرة من المواطنين من المكاسب التي تحققت خلال السنوات الأخيرة خاصة ما يتعلق بمحاربة التفاوت الاجتماعي وزيادة الدعم الحكومي لقطاعات الصحة والتعليم والمعاشات التقاعدية.
وعلى الصعيد البيئي أعلنت في وقت سابق العديد من الشخصيات التي تنتمي إلى اليمين المتطرف موقفاً مناهضاً لجهود مكافحة التغيرات المناخية بوصف الرئيس الأرجنتيني “ميلي” التغير المناخي بأنه مجرد “كذبة اشتراكية” إضافة إلى وعوده بإلغاء وزارة البيئة في الأرجنتين كما شهد حكم “بولسونارو” تسجيل البرازيل ارتفاعاً غير مسبوق في وتيرة إزالة الغابات في ظل خطابه المناهض للبيئة وسياسات تفكيك الوكالات البيئية وإضعاف هيئات إنفاذ القانون.
ولعل التهديد الأخطر الذي يمثله وصول اليمين المتطرف في أمريكا الجنوبية هو ميوله إلى توثيق وتمتين العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية وكيان الاحتلال الإسرائيلي وهو ما دللت عليه زيارة الرئيس الأرجنتيني الجديد الى أمريكا في أول زيارة خارجية له عقب فوزه بالإنتخابات الرئاسية.
وبناء على ما سبق فإن الملاحظ أن القارة اللاتينية مقبلة على نهج “برغماتي” القائم على العمل على الصعيد الداخلي ولاسيما الاقتصادي والتقليل بشكل كبير من الراديكالية التي تشتهر بها إضافة الى محاولة تقربها من واشنطن علها تكون المنقذ لأزماتها وخاصة الاقتصادية بغض النظر عن الفاتورة السياسية التي يجب أن تدفعها الحكومات اليمينة المتطرفة لإرضاء حكام البيت الأبيض.
المقال التالي