حين يسبق الغازُ الماء: لماذا لا يشعر السوريون بالتطبيع الاقتصادي؟

يشهد الاقتصاد السوري اليوم مفارقة صارخة يتمثل  بتقدّم ضخم في ملفات الطاقة والموانئ، يقابله انهيار مزمن في الخدمات الأساسية للمواطن.

هذا التناقض هو ما يمنع الناس من الشعور بأي تحسّن، حتى مع وصول استثمارات بمليارات الدولارات.

ما هي المفارقة؟

على صعيد الاقتصاد الكلي :  تعليق مؤقت لعقوبات “قيصر”، وبدء شركة DP World الإماراتية العملاقة تشغيل مرفأ طرطوس بخطة تحديث قيمتها 800 مليون دولار

على صعيد الحياة اليومية: محطة علوك للمياه في الحسكة لا تزال “خارج الخدمة عملياً أو تعمل باضطراب شديد”، تاركة مئات الآلاف من السكان بلا مياه نظيفة

ثانياً: مسار التقدم السريع: الموانئ الإماراتية وكريدور الغاز

تُعد الخطوات المتخذة في قطاعي الطاقة والموانئ دليلاً على إعادة إدماج سوريا في شبكة التجارة والطاقة الإقليمية، وهو ما يُعرف بمسار “التطبيع من فوق”.

الموانئ: استثمار 800 مليون دولار في طرطوس

الإدارة والامتياز: بدأت شركة DP World الإماراتية بتشغيل مرفأ طرطوس بموجب امتياز لمدة 30 سنة

خطة التحديث: أعلنت الشركة عن خطة استثمارية طموحة تبلغ حوالي 800 مليون دولار، تهدف هذه الخطة إلى توسعة الأرصفة وتقليص زمن انتظار السفن.

الأداء الحالي: يعمل الميناء بضغط منخفض–متوسط زمن مناولة السفينة المتوسطة يتراوح بين 11 و13 ساعة.

الأثر اللوجستي: يرسخ هذا الاستثمار الموانئ كأصول مستقرة ومحمية دولياً، كما يُعمّق البصمة الإماراتية لتشمل استثمارات في مرفأ اللاذقية أيضاً

الطاقة: الغاز الأذري ووعد الـ 1200 ميغاواط

كريدور الغاز: يتدفق الغاز الأذري عبر تركيا بتمويل مشترك مع قطر

هدف التوليد: الهدف هو تشغيل محطات كهرباء بقدرة تصل إلى 1200 ميغاواط، لزيادة التغذية الكهربائية من 3–4 ساعات إلى 8–10 ساعات في بعض المناطق

التحسن الملموس: سُجّل تحسّن طفيف في دمشق (استقرت عند 8–9 ساعات) وحلب (تحسّنت إلى 6–7 ساعات)

التفاوت الجغرافي: مقابل هذا التحسّن، لا تزال الحسكة تسجل 3 ساعات وسطياً

ثالثاً: نقطة الانهيار: مأساة “علوك” وفجوة الثقة

في مقابل هذا التقدم الطاقوي، تبقى أزمة المياه في الحسكة هي نقطة الضعف الهيكلي التي تعمّق فجوة الثقة بين المواطن والسلطات.

تعطيل محطة علوك: المحطة “خارج الخدمة عملياً”، مما يترك مئات الآلاف تحت تهديد انقطاع المياه الدائم

المخاطر الصحية: الاعتماد المتزايد على مصادر مياه غير منظمة يرفع المخاطر الصحية بشكل كبير على السكان

الكابل المقطوع: تُعتبر أزمة المياه هذه بمثابة “الكابل المقطوع” الذي يمنع أي تحسّن طاقوي من التحوّل إلى تحسين حقيقي في حياة الناس

رابعاً: سيف “قيصر” وكلفة الأمن: المخاطر التي تهدد الاستثمارات

بالإضافة إلى الأزمة الخدمية، يواجه مسار التطبيع مخاطر جيوسياسية وأمنية قد توقف هذا التقدم في أي لحظة:

سيف “قيصر” المسلّط: تعليق العقوبات لـ 180 يوماً لا يعني إلغاءها. يمكن إيقاف هذا التعليق بأي لحظة، مما يجعل الاستثمارات الحالية رهينة قرار سياسي خارجي

الضريبة الأمنية شرقاً: محور دير الزور – الحسكة يبقى هشاً. التفتيشات المشددة أو الاضطرابات الصغيرة قد ترفع أجور النقل البري بحدود 1–2%، وهي ما تُسمى “الضريبة الأمنية” التي يتحملها المستهلك النهائي.

التهديد في الجنوب: استمرار تحليق الاستطلاع الإسرائيلي فوق الجنوب يشير إلى قابلية استخدام هذه المنطقة كـ “أداة ضغط” على مسار التطبيع الاقتصادي ككل

خامساً: الخلاصة والرهان: التطبيع المستدام يبدأ من صنبور المنزل

إن الرهان على استدامة التقدم الاقتصادي مرهون بأربعة شروط يجب تحقيقها خلال الستة أشهر القادمة:

1- تحقيق ساعات كهرباء إضافية فعلية وموثوقة في المدن الكبرى.

2- انخفاض نسبي وملموس في تكاليف الشحن (لتنعكس مكاسب الموانئ على الأسعار).

3- استقرار واضح في أسعار المشتقات النفطية والوقود.

4- تراجع في حوادث التخريب والاضطرابات الأمنية في محاور النقل شرقاً.

الرسالة النهائية:

النجاح الحالي هو نجاح “رأس مال” يعكس مصالح الدول الإقليمية، وليس نجاح “خدمة” يلامس حياة السكان.

التطبيع الحقيقي، المستدام والمقبول شعبياً، لا يبدأ من رافعة الحاويات الضخمة في المرفأ، بل يبدأ من صنبور المنزل.

 

إقرأ أيضاً: تعليق إصدار الهويات يفاقم الأعباء الإدارية والمالية على السوريين

اقرأ أيضاً:الوضع الاقتصادي في سوريا 2025: انهيار، تحديات، وفرص إعادة الإعمار

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.