جدل واسع حول مستقبل الأحزاب في سوريا: غياب القانون يُهدد الحياة السياسية
أكاديميون وسياسيون يحذّرون من تفكك المجتمع في ظل غياب الأطر السياسية والمدنية
تشهد الساحة السورية نقاشاً متصاعداً حول واقع الأحزاب والحياة السياسية، بالتوازي مع الإعلان عن تشكيلات سياسية جديدة، في وقت لا تزال فيه البيئة القانونية والسياسية غير مهيأة لتفعيل العمل الحزبي. ويحذر خبراء سياسيون وأكاديميون من أن غياب الحياة السياسية في سوريا، في ظل المرحلة الانتقالية، يُهدد بتفكك المجتمع، ويفتح المجال أمام الهويات ما قبل الوطنية لتتصدر المشهد.
ويؤكد هؤلاء أن غياب العمل المدني المنظم يضع سوريا رهينة للتدخلات الإقليمية والدولية، إذ تُصبح القرارات السياسية انعكاساً لمصالح قوى خارجية، وسط غياب مؤسسات ديمقراطية تمثيلية داخل البلاد.
أحزاب سياسية جديدة بلا ترخيص ولا قانون ينظّم عملها:
مع تصاعد الحراك السياسي بعد سقوط النظام السابق، بدأت تظهر تشكيلات سياسية جديدة مثل:
1- الكتلة الوطنية بقيادة المعارض المعروف هيثم مناع
2- المجلس السوري لغرب ووسط سوريا
3- حركة النهج الوسطي
4- حزب المستقبل الديمقراطي السوري
ورغم التنوّع الظاهري لهذه الأحزاب، يرى محللون أنها لا تزال بعيدة عن الشارع السوري.
ويؤكد المحلل السياسي فراس علاوي أن هذه التشكيلات، رغم أهميتها، لا تُشكل حياة سياسية حقيقية، بل تعبّر عن محاولات فردية تحتاج إلى تأطير وتشريعات قانونية وتنظيم انتخابات فعلية. ويضيف أن الوقت مناسب الآن لتشكيل أحزاب، بشرط أن تكون مستقلة عن التمويل الخارجي، لكنها تصطدم بغياب البنية القانونية المناسبة.
غياب قانون الأحزاب يُعقّد المشهد السياسي السوري:
لا تزال سوريا تفتقر إلى قانون ينظّم عمل الأحزاب، رغم النص على ذلك في الإعلان الدستوري الصادر عن السلطة الانتقالية. هذا الغياب القانوني جعل الأحزاب الجديدة غير مرخصة ومعرّضة للحظر أو التضييق في أي لحظة، خصوصًا في ظل سيطرة “الأمانة العامة للشؤون السياسية”، التابعة بشكل غريب لـ وزارة الخارجية السورية، على المجال السياسي العام.
ويؤكد الأكاديمي والباحث مالك الحافظ أن “البيئة السياسية السورية الحالية غير مؤهلة لولادة أحزاب حقيقية”، مشيراً إلى أن المناخ العام محكوم بسلطة لا تزال تسعى لاحتكار الفضاء السياسي. كما لفت إلى أن المطلوب هو إعادة تعريف السياسة في سوريا كمجال مدني جامع، لا يُختزل في الخطاب الديني أو الولاءات العسكرية.
هل يمكن تأسيس أحزاب قبل صدور قانون الأحزاب؟
يثير هذا السؤال جدلاً واسعاً في الأوساط الحقوقية والقانونية السورية، لا سيما أن الإعلان الدستوري المؤقت يقرّ بمبدأ حرية تأسيس الأحزاب السياسية، لكنه يربط تنفيذ هذا الحق بصدور قانون خاص لم يتم إقراره حتى الآن.
وكتب المحامي والناشط الحقوقي ميشال شماس أن هذا النص “لا يمكن اعتباره كافياً بحد ذاته لتأسيس الأحزاب، لأنه بمثابة إعلان نوايا فقط، ويحتاج إلى ترجمة قانونية واضحة”.
دعوات لتفعيل الحياة السياسية كبديل عن العنف:
من جهته، يرى زكريا ملاحفجي، رئيس “الحركة الوطنية السورية” الفاعلة في شمال غرب سوريا، أن تفعيل الحياة السياسية والحزبية هو البديل الحقيقي عن العنف. ويؤكد ضرورة تقديم رؤى وطنية تمثل تطلعات الشعب السوري وتعيد بناء العلاقة بين المواطن والسلطة على أساس المشاركة لا القمع.
بدوره، يوضح ياسر تيسير العيتي، رئيس “تيار سوريا الجديدة”، أن الأحزاب اليوم تمارس دور التوعية السياسية، لكن مهامها الأهم مثل خوض الانتخابات وبناء التحالفات لا تزال مؤجلة إلى ما بعد إقرار الدستور الجديد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ومحلية حرة.
التعددية السياسية في سوريا مرهونة بالإصلاحات القانونية:
تشير التحليلات إلى أن الديناميكية السياسية الكامنة في سوريا بحاجة إلى إطار قانوني يشرعن تأسيس الأحزاب وينظم عملها، لضمان تحول الحراك السياسي من النخب إلى الجمهور، وتأسيس دولة المواطنة القائمة على التعددية والتنوع، بدلاً من هيمنة السلطة المطلقة أو الانقسامات الطائفية والإثنية.
إقرأ أيضاً: مناف طلاس: العودة إلى المشهد السوري ورؤيته لمستقبل ما بعد الأسد
إقرأ أيضاً: تحولات دراماتيكية في المشهد السوري: تزامنات وتفاعلات سياسية معقدة