توثيق الانتهاكات الممنهجة والفشل المؤسسي (18 سبتمبر 2025)

يوثق هذا التقرير، استناداً إلى بيانات “المركز الدولي للحقوق والحريات” (ICRF) للفترة الممتدة من 17 إلى 18 سبتمبر 2025، نمطاً متصلاً وممنهجاً من انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.

يكشف التحليل الأولي للبيانات أن الغالبية العظمى من الانتهاكات الموثقة ارتكبتها القوات الحكومية السورية وأجهزتها الأمنية أو الجهات التابعة لها،

مما يؤكد أن الدولة هي الفاعل الرئيسي في ارتكاب هذه الجرائم.

يتجاوز التقرير رصد الحوادث الفردية ليقدم تحليلاً معمقاً يكشف عن تحول وظيفي في أدوار مؤسسات الدولة.

حيث لم تعد هذه المؤسسات مجرد جهات منفذة للقانون، بل تحولت إلى أدوات منظمة للاستغلال المالي، القمع السياسي، والاضطهاد الطائفي.

تتجلى هذه الديناميكية في حالات الاعتقال التعسفي، والابتزاز المالي الممنهج، والتهجير القسري المرتبط بالاستيلاء على الممتلكات.

إلى جانب الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة، يسلط التقرير الضوء على دور المجموعات المسلحة غير الحكومية والقوات العسكرية الأجنبية التي تساهم في حالة انعدام الأمن العام.

تُظهر الوقائع الموثقة أن المدنيين السوريين يواجهون تهديدات متعددة المصادر.

سواء من قبل سلطات الدولة نفسها، أو الفصائل غير النظامية التي تعمل في مناطق ضعف السيطرة المركزية

أو القوات الأجنبية التي تنفذ عمليات عسكرية تنتهك السيادة الوطنية وتعرّض حياة المدنيين للخطر

مقدمة وإطار منهجي

يعتمد هذا التقرير على توثيق يومي ومكثف للانتهاكات التي طالت حقوق الإنسان في سوريا.

حيث جرى إعداده من قبل “المركز الدولي للحقوق والحريات” (ICRF)، وهي منظمة مستقلة متخصصة في رصد وتوثيق الانتهاكات في مناطق النزاع.

يمثل المركز مصدراً موثوقاً للمعلومات، حيث تعتمد آلياته على شبكة من المصادر الميدانية المحايدة التي تعمل على جمع البيانات والشهادات من مسرح الأحداث.

يغطي هذا التقرير الفترة المحددة بين الساعة 16:00 من يوم 17 سبتمبر 2025 والساعة 16:00 من يوم 18 سبتمبر 2025.

وتستند جميع المعلومات والتحليلات الواردة فيه إلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

كما يشدد المركز على أن التقرير يعكس تحليلاً أولياً للبيانات الموثقة ولا يمكن نقله أو إعادة نشره دون الإشارة الكاملة للمصدر، وهو ما يضمن الحفاظ على مصداقيته وموضوعيته.

لمحة إحصائية وتصنيف الانتهاكات

يقدم التقرير لمحة إحصائية سريعة وشاملة لأبرز الانتهاكات الموثقة خلال الفترة المذكورة، مصنفة حسب نوعها ومقترنة بالجهة المنفذة.

وتتيح هذه البيانات الأولية تحديد الأنماط الأكثر شيوعاً والجهات الأكثر تورطاً، مما يشكل أساساً للتحليل التفصيلي الذي يقدمه التقرير

ملخص بالانتهاكات الموثقة حسب الجهة المنفذة والفئة (17-18 سبتمبر 2025):

 

نوع الانتهاك الحكومة السورية مجموعات مسلحة/رديفة الجيش الإسرائيلي الجيش التركي الإجمالي
القتل خارج نطاق القضاء 2 2 0 0 4
الاختفاء القسري 4 0 0 0 4
الاعتقال التعسفي 4 0 0 0 4
التعذيب والمعاملة القاسية 2 0 0 0 2
التهجير القسري 3 1 0 0 4
التمييز والاضطهاد 5 2 0 0 7
خطاب الكراهية 0 1 0 0 1
الحرمان من الحقوق الاقتصادية 3 0 0 0 3
انتهاك الحق في السكن والملكية 3 1 0 0 4
الاعتداء على السيادة الإقليمية 0 0 2 0 2
هجمات عشوائية على المدنيين 0 0 0 1 1
الإجمالي 26 7 2 1 36

 

تكشف البيانات الإحصائية أن الحكومة السورية وأجهزتها الأمنية مسؤولة عن النسبة الأكبر من الانتهاكات الموثقة، حيث نفذت 26 انتهاكاً من إجمالي 36.

يمثل هذا التوزيع دليلاً على أن الدولة ليست فقط طرفاً في النزاع، بل هي أيضاً الفاعل الرئيسي في ممارسة القمع المباشر على المدنيين

تحليل معمق للانتهاكات حسب الجهة المسؤولة

الحكومة السورية والقوات التابعة لها: منظومة قمع واستغلال

يوثق التقرير سلسلة من الحوادث التي تشير إلى أن مؤسسات الدولة السورية، وعلى رأسها الأجهزة الأمنية.

فقد قد تحولت من أدوات لإنفاذ القانون إلى أدوات للقمع والاستغلال.

و يتم استخدامها لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية على حساب حقوق الأفراد وكرامتهم.

1. تحويل النظام القضائي إلى أداة ابتزاز: سجن حمص المركزي

توضح واقعة سجن حمص المركزي أن نظام الاعتقال لم يعد يهدف إلى تطبيق القانون، بل أصبح وسيلة للابتزاز المالي والقسوة النفسية.

يوثق التقرير استمرار إيداع العشرات من المواطنين في السجن دون سند قانوني أو تهم واضحة، مع حرمان عائلاتهم من معرفة مصيرهم أو مكان احتجازهم.

المثير في الأمر هو ظهور اتصالات من أرقام غير رسمية تطالب بمبالغ مالية مقابل تحديثات حول حالة المعتقلين، مما يؤكد أن نظام السجن تحول إلى مشروع ربحي

2. الاستهداف الطائفي والقتل خارج نطاق القانون: ريف دمشق

يكشف التقرير عن حادثة أخرى في منطقة البحدلية بريف دمشق.

حيث قامت عناصر من الأمن العام باقتحام المنطقة وإطلاق النار مباشرة على شاب من الطائفة الشيعية.

مما أدى إلى إصابته بثماني رصاصات، كما تم خطف شابين آخرين من الطائفة نفسها واقتيادهما إلى جهة مجهولة.

هذه العمليات لم تكن مجرد حادثة أمنية، بل كانت استهدافاً انتقائياً قائماً على الهوية المذهبية في منطقة حساسة دينياً، ما يهدد السلم الأهلي ويزيد من احتمالية تصاعد العنف الطائفي.

وتكشف هذه الواقعة عن أن الأجهزة الأمنية لا تكتفي بالفشل في حماية مواطنيها، بل تشارك بشكل فعّال في تأجيج الصراعات المجتمعية واستخدام العنف المباشر ضد فئات محددة.

هذا السلوك يشكل انتهاكاً صارخاً للحق في الحياة والحرية، كما يمكن أن يرقى إلى جريمة اضطهاد قائمة على الهوية، وهو ما يُعد جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة 7 من نظام روما الأساسي

3. التهجير القسري والاغتصاب العقاري: حي الكباس بدمشق

يُظهر التقرير نمطاً آخر من انتهاكات الحكومة، وهو التهجير القسري والاستيلاء غير المشروع على الممتلكات.

فقد وثق المركز إبلاغ سكان حي الكباس في دمشق، وجميعهم من الطائفة العلوية، بضرورة إخلاء منازلهم بحلول نهاية الشهر دون أي سند قضائي أو قانوني، وذلك من قبل أشخاص مسلحين تابعين للأمن العام.  

تؤكد هذه الواقعة أن التهجير القسري لم يعد يقتصر على المجموعات المعارضة سياسياً، بل أصبح أداة للهندسة الديموغرافية والاقتصادية، حتى ضد المجتمعات التي يُنظر إليها على أنها موالية للنظام.

الهدف من هذه الممارسات هو الاستيلاء على المنازل والممتلكات الخاصة، مما يشكل انتهاكاً جسيماً للحق في السكن والملكية.

4. الابتزاز الاقتصادي الممنهج: ريف دمشق

يوضح التقرير كيف أن الدولة نفسها أصبحت محركاً للاقتصاد غير الشرعي.

فقد أطلقت محافظة ريف دمشق حملة تحت اسم “ريفنا بيستاهل”، والتي كانت واجهة لحملة ابتزاز مالي منظمة.

حيث تم إبلاغ أصحاب العقارات والمشاريع السياحية بضرورة دفع مبالغ مالية ضخمة (تصل إلى 100 ألف دولار) تحت ذريعة “دعم التنمية”، مع تهديدات ضمنية بتعطيل أعمالهم إذا رفضوا الدفع.

5. الفصل التعسفي وقمع حرية التعبير: اللاذقية

تُظهر واقعة فصل الموظفة سامية محمد حلاق من عملها في دار الصناعة باللاذقية مدى استخدام الدولة لوظائفها كأداة للقمع.

فقد صدر قرار فصلها المباشر بسبب قيامها بوضع إشارة “إعجاب” على منشور في موقع فيسبوك، وهو ما اعتبرته وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل “إساءة”.  

هذا الإجراء يمثل انتهاكاً مزدوجاً، فهو يقوض الحق في العمل والحياة الكريمة، كما أنه يمثل قمعاً صارخاً لحرية الرأي والتعبير.

ويكشف هذا السلوك عن أن المؤسسات الحكومية لا تحترم قوانينها الداخلية، بل تستخدم قوتها الوظيفية لترهيب موظفيها وتكميم أفواههم، حتى على أبسط مستويات التعبير السلمي

6. ملخص أنماط الانتهاكات الحكومية المتكررة

تُظهر الحالات المتعددة الأخرى الموثقة في التقرير أن الانتهاكات ليست معزولة، بل هي جزء من سياسة ممنهجة.

في مدينة القصير بحمص، تم خطف شاب مسيحي من قبل الأمن العام، وتم الإفراج عنه فقط بعد دفع فدية مالية، ليتم إعادة سيارته إليه محطمة.

هذه الواقعة تشير إلى أن الخط الفاصل بين الأجهزة الأمنية وعصابات الجريمة المنظمة قد انهار تماماً.  

في حمص أيضاً، يجري استخدام سياسات “التمديد الحكومي” لإخلاء المستثمرين الفعليين في سوق النوري والمناطق التجارية، وهو ما يمهد الطريق للاستيلاء على الممتلكات ونقلها إلى جهات جديدة، مما يؤدي إلى إقصاء اقتصادي ممنهج.

هذا السلوك يوضح أن الدولة تقوم بالتلاعب بالأطر القانونية لتسهيل نقل الثروة.  

كما يوثق التقرير حالات اختفاء قسري أخرى، مثل حالة حسن جميل النظامي ومحمد علي الحنش، حيث ارتبط اختفاؤهما باستيلاء جهات تابعة للأمن العام على ممتلكاتهما.

هذا الارتباط يؤكد أن الاختفاء القسري لم يعد مجرد أداة للقمع السياسي، بل أصبح أداة متعددة الأغراض لسرقة الممتلكات وتثبيت السيطرة.  

تتكرر هذه الأنماط في حماة، حيث تعرضت قرية عقرب لهجوم من قبل مسلحين تابعين لوزارة الدفاع بهدف قتل وتهجير السكان، مما يشير إلى أن الحكومة تستخدم العنف الطائفي لتحقيق أهداف التهجير.

كما تُظهر حملة مداهمات الأمن العام في مدينة مصياف نمطاً من الاعتقالات الجماعية ومصادرة الممتلكات الخاصة، مع وجود خلافات داخلية بين العناصر الأمنية على تقاسم المسروقات.

أما في بلدة قمحانة، فقد تم توثيق حالة تعذيب وابتزاز مالي ممنهج، حيث يتم حرمان المعتقل من أدويته الأساسية وإجبار عائلته على دفع مبالغ ضخمة مقابلها.  

هذه الوقائع تظهر أن الدولة السورية، من خلال أجهزتها الأمنية والتابعين لها، قد حولت وظيفتها الأساسية من حماية المواطنين إلى استغلالهم.

المجموعات المسلحة: تهديد الأمن الأهلي وتآكل السلم المجتمعي

يُظهر التقرير أن المجموعات المسلحة، سواء كانت قوات رديفة أو مجموعات أمر واقع، تساهم بشكل كبير في زعزعة الأمن المجتمعي، خاصة في المناطق التي تشهد ضعفاً في السيطرة المركزية للدولة

1. قطع الطرق وتأجيج الصراع المجتمعي: محافظة السويداء

وثق التقرير قيام مجموعات مسلحة من العشائر البدوية بقطع الطريق الدولي بين السويداء ودمشق، مما أدى إلى تعطيل حركة المدنيين ومنع مرور قوافل الإغاثة الإنسانية.

ورغم أن المجموعات المسلحة بررت هذا الفعل بتأخر عودة النازحين، فإن التقارير الميدانية تشير إلى أن الحكومة السورية تستغل ملف النزوح لإثارة صراع مجتمعي بين الدروز والبدو، وذلك بهدف منع سكان السويداء من التوجه نحو خيارات سياسية أخرى.  

هذا السلوك يشكل انتهاكاً خطيراً للحق في حرية التنقل، كما يعد خرقاً للمادة 59 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تلزم أطراف النزاع بالسماح بمرور المساعدات الإنسانية.

كما أن التلاعب بملف النازحين يمثل فشلاً حكومياً ممنهجاً في إدارة الأزمات، ويؤكد أن الفوضى الأمنية ليست بالضرورة غياباً للسلطة، بل يمكن أن تكون أداة سياسية لتفتيت النسيج الاجتماعي.

2. الاغتيالات المستمرة والترهيب الطائفي: درعا وحمص

يشير التقرير إلى نمط من الاغتيالات التي تستهدف وجهاء محليين، مثل مقتل محمد الديريري في بلدة الحراك بدرعا.

هذا السلوك، الذي تنفذه مجموعات مجهولة، يهدف إلى زعزعة الأمن المجتمعي وإضعاف الروابط الاجتماعية، مما يجعل المدنيين أكثر عرضة للخطر في ظل غياب الدولة المركزية.  

كما وثق التقرير قيام مجموعات مسلحة بإطلاق النار على منازل المواطنين المسيحيين في مدينة القصير بحمص.

هذه الهجمات، التي تكررت بعد أقل من 20 ساعة من حادثة خطف شاب مسيحي في المدينة نفسها، تؤكد وجود سياسة ممنهجة من الترهيب المسلح ضد هذه الفئة من السكان بهدف إجبارهم على الرحيل.

هذا السلوك يمكن تصنيفه كاضطهاد ديني، والذي قد يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي.

القوات العسكرية الأجنبية: انتهاكات السيادة وسلامة المدنيين

لا تقتصر انتهاكات حقوق الإنسان على الفصائل الداخلية، بل تمتد لتشمل القوات الأجنبية التي تنفذ عمليات عسكرية على الأراضي السورية، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني ويهدد حياة المدنيين.

1. انتهاك السيادة الإسرائيلية: محافظة القنيطرة

وثق التقرير حادثتين في محافظة القنيطرة نفذتهما القوات الإسرائيلية.

الأولى تمثلت في توغل أربع سيارات عسكرية إسرائيلية داخل قرية المعلقة، في انتهاك مباشر للسيادة السورية.

أما الحادثة الثانية فكانت إقامة حاجز عسكري مؤقت بالقرب من سد بريقة، مما أدى إلى تقييد حركة المدنيين وتعطيل حياتهم اليومية.  

هذه الأفعال تُعتبر خرقاً صريحاً لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي الإنساني.

ورغم أن هذه الحوادث لم تسفر عن قتلى، إلا أنها تساهم في خلق حالة من انعدام الأمن والرعب بين السكان، وتظهر عدم قدرة الحكومة السورية على حماية حدودها، مما يقلل من الثقة في سلطاتها

2. القصف العشوائي التركي: محافظة حلب

وثق المركز قيام المدفعية التركية باستهداف تجمعات سكنية مدنية في محيط مدينة عين العرب (كوباني) بريف حلب.

ورغم أن الهجوم جاء بذريعة استهداف مواقع عسكرية، إلا أن القذائف سقطت على مناطق آهلة بالسكان، مما أدى إلى حالة من الذعر ونزوح جزئي للمدنيين.  

هذا القصف يشكل انتهاكاً واضحاً لمبدأ التمييز والتناسب في القانون الدولي الإنساني، والذي يفرض على الأطراف المتنازعة التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين.

إن استهداف المناطق السكنية، حتى لو كان هناك هدف عسكري مزعوم، هو عمل غير مشروع قد يرقى إلى جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي.

هذه الواقعة تؤكد أن التدخلات العسكرية الأجنبية في سوريا غالباً ما تتجاهل سلامة المدنيين وتتسبب في إلحاق الأضرار بهم، مما يجعلهم ضحايا للصراعات الإقليمية

أنماط نظامية ورؤى تحليلية أوسع

من خلال تحليل الحوادث الموثقة، يظهر أن الانتهاكات ليست مجرد حوادث فردية، بل هي جزء من أنماط نظامية متجذرة تعكس واقعاً معقداً من الفساد والفشل المؤسسي وانعدام المساءلة.

1. تسليح مؤسسات الدولة: يُظهر التقرير بوضوح كيف أن مؤسسات الدولة، مثل الأمن العام والبلديات والوزارات، قد تحولت من جهات خدمية أو قانونية إلى أدوات للقمع والاستغلال.

فبدلاً من تطبيق القانون، يتم استخدام هذه المؤسسات لابتزاز الأفراد، والاستيلاء على الممتلكات، وقمع حرية التعبير، مما يؤدي إلى تآكل الثقة في جميع هياكل الدولة.

هذا التحول الوظيفي للمؤسسات هو الأساس الذي تقوم عليه العديد من الانتهاكات الموثقة.

2. الربط بين الاستغلال الاقتصادي والقمع الطائفي والسياسي: تكشف العديد من الحالات عن وجود علاقة مباشرة بين الدوافع الاقتصادية والانتهاكات الطائفية والسياسية.

فالتهجير القسري يتم بهدف الاستيلاء على العقارات، والاختفاء القسري يُستخدم كوسيلة لسرقة الممتلكات، والابتزاز المالي يتم تحت غطاء حملات حكومية.

هذا التداخل يعكس اقتصاداً جديداً قائماً على الاستغلال الممنهج، حيث يتم استخدام الهوية والانتماء السياسي كسلعة قابلة للتداول والربح، مما يجعل جميع جوانب حياة المواطن عرضة للخطر.

3. الغياب التام للمساءلة: في جميع الحالات الموثقة التي تورطت فيها القوات الحكومية، يبرز غياب أي إجراءات قضائية أو تحقيق شفاف.

يتصرف الجناة بإفلات تام من العقاب، ويتم تجاهل أو تحوير القوانين الوطنية لخدمة مصالحهم.

هذا الفشل المنهجي في تطبيق القانون هو البيئة الحاضنة التي تسمح باستمرار هذه الانتهاكات وتكرارها دون رادع.

4. هشاشة النسيج الاجتماعي: يظهر التقرير أن الأطراف الفاعلة، سواء كانت حكومية أو غير حكومية، تستغل التوترات الطائفية والمجتمعية كأداة للسيطرة.

فبدلاً من معالجة أسباب النزاع، يتم تأجيجه عن طريق التلاعب بملفات حساسة مثل عودة النازحين أو الاستهداف الطائفي المباشر.

هذا السلوك يهدف إلى تقسيم المجتمع ومنع أي وحدة سياسية أو اجتماعية قد تهدد سيطرة هذه الأطراف.

5. التهديد المتعدد المصادر للمدنيين: يؤكد التقرير أن المدنيين السوريين يعيشون في بيئة شديدة الخطورة حيث لا يوجد ملاذ آمن.

فهم ليسوا فقط ضحايا لقمع الحكومة المباشر، بل يواجهون أيضاً تهديدات من المجموعات المسلحة التي تسيطر على مناطق معينة، ومن القوات الأجنبية التي تنتهك سيادة البلاد وتنفذ عمليات عسكرية غير متناسبة. هذا الواقع يترك المواطن السوري عرضة للعنف من جميع الأطراف.

توصيات مفصلة ونداءات للعمل

استناداً إلى تحليل الأنماط الممنهجة للانتهاكات، يوصي التقرير بالآتي:

للسلطات السورية:

1- المساءلة الفورية: البدء بتحقيقات مستقلة وشفافة في جميع الحوادث الموثقة في هذا التقرير، وتقديم جميع المتورطين، بمن فيهم أفراد الأجهزة الأمنية والموظفون الحكوميون، إلى القضاء.

2- الإصلاح المؤسسي: يجب على الحكومة تفكيك جميع الهيئات غير الرسمية مثل “لجان السلم الأهلي” التي تعمل خارج الأطر القانونية، ووقف استخدام مؤسسات الدولة للابتزاز المالي والاضطهاد.

3- الامتثال للقانون: الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين تعسفياً، والالتزام بضمانات المحاكمة العادلة وحقوق المحتجزين وفقاً للقانون الوطني والدولي.

4- حماية الملكية: وقف جميع عمليات الاستيلاء غير المشروع على الممتلكات وضمان حماية حق المواطنين في السكن والملكية الفردية.

للمجتمع الدولي:

1- الضغط الدبلوماسي والمالي: فرض عقوبات مستهدفة على الأفراد والكيانات المتورطة في الفساد الممنهج وانتهاكات حقوق الإنسان الموثقة في هذا التقرير.

2- دعم التوثيق: توفير الدعم المالي واللوجستي المستمر للمنظمات الحقوقية المستقلة مثل المركز الدولي للحقوق والحريات (ICRF) لضمان استمرار عملها الحيوي في الرصد والتوثيق من الميدان.

3- الدفع نحو العدالة: تفعيل آليات المساءلة الدولية، والدعوة إلى تحقيق شامل في الجرائم التي قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

4- تأمين المساعدات: ممارسة الضغط على جميع أطراف النزاع لضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع المناطق المحتاجة، وفقاً للقانون الدولي.

 

إقرأ أيضاً: سوريا تحت المجهر: تحليل شامل للانتهاكات الحقوقية اليومية (14-15 سبتمبر 2025)

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.