التفاهم العسكري التركي – السوري: إعادة تشكيل الجيش أم صراع نفوذ؟

داما بوست -إليانا الدروبي

أعلنت وزارتي الدفاع في كل من تركيا وسوريا (الحكومة الانتقالية) توقيع مذكرة تفاهم للتعاون العسكري. ورغم أن الأهداف المعلنة تدور حول التدريب وتطوير قطاع الأمن، إلا أن خلفيات الاتفاق وتوقيته أثارت الكثير من التساؤلات حول أهدافه الفعلية، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتغيّر موازين القوى داخل سوريا.

تعزيز الجيش السوري بغطاء تركي

التفاهم، الذي تم توقيعه في أنقرة بحضور وزيري دفاع البلدين ومسؤولين أمنيين بارزين، ينص على دعم هيكلة الجيش السوري، وتبادل الأفراد العسكريين، والتدريب على المهارات التخصصية. وبحسب “سانا”، فإن المذكرة تهدف إلى إصلاح شامل لقطاع الأمن السوري.

الوجود التركي في العمق السوري

ترافق الإعلان عن الاتفاق مع معلومات مسرّبة حول نية أنقرة توسيع قواعدها العسكرية في مناطق مثل حمص، ريف دمشق، والساحل، إضافة إلى وجودها العسكري الراسخ في الشمال. هذا التوسع يعزز من دور تركيا كلاعب رئيسي في إعادة تشكيل المشهد العسكري السوري، بدعم واضح من استخباراتها المنتشرة في مفاصل القرار السياسي السوري منذ سقوط النظام السابق في ديسمبر 2024.

إسرائيل قلقة… وتركيا تطمئن

التقارب العسكري السوري التركي قوبل بقلق إسرائيلي واضح، ترجم بعمليات استهداف عسكرية لعناصر محسوبة على أنقرة داخل سوريا. وردًا على ذلك، صدرت تصريحات تركية تؤكد التزام أنقرة بعدم المساس بـ”الخطوط الحمراء” الإسرائيلية، ما يعكس حرص تركيا على إبقاء التفاهمات غير المعلنة مع تل أبيب قائمة، رغم احتدام سباق النفوذ بينهما داخل الأراضي السورية.

واشنطن تدير اللعبة… رغم تناقضاتها

رغم دعم الولايات المتحدة لهذا التعاون العسكري، إلا أن المفارقة تكمن في استمرار دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الخصم الأول لتركيا. وبالتوازي، كانت الحكومة الانتقالية قد وقعت في مارس الماضي اتفاقًا مع “قسد” للاندماج ضمن مؤسسات الدولة، وهو اتفاق لم يُنفذ حتى اليوم وسط تبادل الاتهامات والاشتباكات المتقطعة.

مؤتمر الحسكة وتصعيد العشائر

تفاقمت التوترات مع “قسد” بعد انعقاد مؤتمر “وحدة المكونات السورية” في الحسكة مطلع أغسطس، والذي اعتبرته دمشق الانتقالية تحديًا مباشرًا لمسار التفاهمات. تبع ذلك تصعيد عشائري ضد “قسد”، وصدور مهلة غير رسمية حتى نهاية أيلول لتنفيذ اتفاق الاندماج.

الجيش السوري الجديد: من يشكّله؟

تحدثت تسريبات عديدة عن خطة بدعم تركي وأميركي لإعادة تشكيل الجيش السوري، تتضمن دمج المقاتلين المدعومين من أنقرة مع آلاف الضباط في الجيش السوري السابق، حيث فُتح باب الانتساب لهم عبر وزارة الدفاع السورية الانتقالية، وتم قبول نحو 3000 طلب حتى الآن.

هذا الجيش “الهجين” قد يشكّل قاعدة لنظام سياسي جديد يُفترض أن تتبلور ملامحه قبل نهاية العام، وسط رعاية أميركية واضحة وموافقة إسرائيلية ضمنية.

تركيا… على حافة توازنات دقيقة

إعطاء الولايات المتحدة الضوء الأخضر لتركيا يعكس ثقة مدروسة، لكنه في الوقت نفسه يضع أنقرة أمام تحديات حساسة. فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، المعروف بقدرته على استثمار التناقضات، يتحرك بين أطراف متصارعة داخل سوريا، لكن أي خلل في توازن هذه المصالح قد يضعف المشروع كله.

في ظل التحشيدات العسكرية المستمرة وتعقيد المشهد الميداني، تبدو المرحلة المقبلة أكثر غموضًا، وقد تكون حاسمة في رسم مستقبل سوريا ونفوذ اللاعبين الإقليميين فيها.

 

إقرأ أيضاً: تفاصيل تنشر لأول مرة.. تركيا تنشئ 3 قواعد عسكرية وتزود سوريا بأنظمة دفاع جوي متطورة

إقرأ أيضاً: اتفاق أنقرة ودمشق: شراكة أمنية لكسر الهيمنة الإسرائيلية أم تنافس نفوذ في سوريا؟

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.