هل يكفي “تفاعل الترند” الحكومي لضبط التجاوزات في سوريا؟

مع انطلاق عمل الحكومة السورية الجديدة في مارس الماضي، لوحظ نشاط وتفاعل غير مسبوق من قبل الوزراء والمسؤولين مع الشكاوى والمطالب الشعبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. هذا التفاعل، الذي اعتبره سوريون كسرًا للنمطية التي طالما اتسم بها المسؤولون، أثار تفاؤلًا عامًا حول مساحة أكبر من الحريات والاستجابة لمشكلات المواطنين.

تساؤلات حول “قضايا الترند”

على الرغم من سرعة الاستجابة الحكومية لـ”قضايا الترند” التي تحظى بانتشار واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، يطرح مراقبون تساؤلات جدية حول مدى فعالية هذه الآلية. فهل تقتصر الاستجابة على القضايا التي تحقق رواجًا إعلاميًا، بينما تُهمل قضايا أخرى لم تحظَ بانتشار كافٍ؟

قبل أيام، تفاعل وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى سريعًا مع شكوى الصحفي أمجد الساري، الذي تعرض لمضايقات من عنصر أمن دبلوماسي في دمشق أثناء التقاطه صورة لمقر السفارة الإيرانية. دعا الوزير المصطفى الساري لزيارة الوزارة لتقديم شكوى لمتابعتها، وهو ما لاقى ترحيبًا واسعًا واعتبره البعض دليلًا على قرب الحكومة من المواطنين.

بعد لقاء الوزير المصطفى، أكد الصحفي أمجد الساري أن وزارة الإعلام تكفلت بمتابعة قضيته، ووعدت بتقديم الدعم الكامل للصحفيين وضمان حريتهم في العمل. كما أعلن مدير العلاقات الصحفية في الوزارة، محمد الصالح، عن اتخاذ خطوات قانونية ومخاطبة الجهات المختصة لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث.

استجابة سريعة.. ولكن؟

بالتزامن مع حادثة الساري، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بحادثة الاعتداء بالضرب على الشاب خليل العموري في حلب من قبل عناصر يتبعون لـ”الأمن الداخلي”، إثر خلاف على ركن سيارة تطور إلى توقيف واعتداء جسدي ومعنوي. وسرعان ما تفاعل مكتب العلاقات العامة في مديرية الإعلام بحلب مع القضية، وأعلن العموري عبر “فيسبوك” أن مسؤولًا في الأمن الداخلي سيتكفل بمتابعة قضيته قانونيًا.

تعكس هاتان الحادثتان استجابة سريعة واهتمامًا من الجهات الحكومية، إلا أن خبراء يرون أن هذه الاستجابة، وإن كانت إيجابية، قد لا تكون كافية لوقف التجاوزات بحق سوريين آخرين في المستقبل، ما لم تكن مقترنة بـأرضية قانونية وتشريعية حازمة.

“الاستجابة عامة” أم “استحقاق 8 ديسمبر”؟

يرى الناشط والمحلل السياسي عبد الكريم العمر أن “حالة التفاعل القائمة بين المسؤولين والمواطنين هي جزء مما كان يحلم به السوريون، وظاهرة لم نكن نعتاد عليها سابقًا”. ويعتبر أن هذا التفاعل يعكس طموح المواطنين في أن يكون المسؤول جزءًا من المجتمع، ويرد على استفساراتهم وطلباتهم دون أي تعالٍ.

ويضيف العمر لـ”تلفزيون سوريا” أنه لا يعتقد أن تفاعل المسؤولين يقتصر على “قضايا الترند” فقط، بل يرى أن هناك تجاوبًا فعليًا من قبل عدد من المسؤولين مع العديد من القضايا والاقتراحات والشكاوى، حتى دون أن تحظى بزخم إعلامي.

فيما يتعلق بأسباب هذه الاستجابة، يرى العمر أن “إيجابية الاستجابة تكمن أكثر في هذه الجزئية، لأن هذا الاستحقاق الذي وصل إليه السوريون في 8 كانون الأول/ديسمبر هو نتيجة ثورة استمرت 14 عامًا.

ماذا عن بقية الحالات؟

على الجانب الآخر، يرى سوريون أن الاستجابة لـ”حوادث الترند” ليست مسارًا مستدامًا يحفظ حقوق المواطنين، حيث إن العديد من القضايا لا تتوفر لها شروط التحول إلى “ترند”، وبعضها لا يصل إلى الإعلام من الأساس. وبالتالي، فإن سلطة رقابة مواقع التواصل لن تفرض حضورها في تلك القضايا.

يقول مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، إن “الاستجابة الحكومية في سوريا ترتفع عندما تتحول الحادثة إلى رأي عام أو “ترند” عبر منصات التواصل، بينما بحال وقوع حالات لم تتحول إلى “ترند”، ربما لا تشهد استجابة”. ويعني ذلك، بحسب عبد الغني، أن العملية مرتبطة بالضغط الإعلامي أكثر من ارتباطها بنظام مساءلة مؤسس أو نظام قوانين.

مقترحات لضمان العدالة للجميع

للحد من هذه الظاهرة وضمان حصول جميع المواطنين على حقوقهم، يقترح عبد الغني استقلال القضاء وعدم تبعيته لأي سلطة، حتى يشعر المواطن أن اللجوء إلى القضاء سيُحصّل حقوقه. وبالتوازي مع استقلال القضاء، يشدد على إصلاح قطاع الأمن من خلال اعتماد آليات تدقيق وفصل واستبعاد لكل من يثبت تورطه في انتهاكات ومحاسبته.

من جانبه، يقترح عبد الكريم العمر تنظيم حالة التواصل بين المواطنين والمسؤولين من خلال:

  • إنشاء رابط إلكتروني مخصص لتلقي الشكاوى والاقتراحات، يضم فريقًا مختصًا بالرد المباشر.
  • تخصيص أيام محددة أسبوعيًا يلتقي فيها المسؤولون بالمواطنين ضمن مؤسساتهم ووزاراتهم على امتداد البلاد، وصولًا إلى أعلى مستويات الدولة، لتعزيز التفاعل المباشر بعيدًا عن القنوات الافتراضية.
  • تخصيص أرقام هاتفية لحجز مواعيد مع المسؤولين، لتسهيل تقديم الطلبات ومتابعتها بشكل رسمي ومنظم، وجعل تواصل المواطن مع الدولة أمرًا طبيعيًا.

إقرأ ايضاً: في مبادرة رمزية… وزارة الاتصالات السورية تعيّن طفلاً متحدثاً باسمها لجيل المستقبل

 

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.