داما بوست-خاص| يمكن أن نقول بوصف دقيق أن اللقاء السوري التركي على أراض سورية كان بمثابة اجتماع لكسرالجليد والتأسيس لنقطة انطلاق للبدء بعملية التطبيع في العلاقات بين أنقرة ودمشق عمادها الأول والأساسي بالنسبة لدمشق هو انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية التي تحتلها في الشمال.
وبالفعل عقد مسؤولون عسكريون من تركيا مع نظرائهم في سوريا اجتماعاً على الأراضي السورية لأول مرة منذ انقطاع العلاقات بين الجانبين منذ عام 2011، ما يمثل دفعة جديدة تهدف إلى تبديد الركود في مسار تطبيع العلاقات الذي بدأ بالتزامن مع توجه أنقرة إلى إعادة علاقاتها مع العديد من الدول العربية إلى مجراها الطبيعي.
ومنذ عام 2021 توالت اللقاءات العلنية على مستوى مسؤولين رفيعي المستوى بين أنقرة ودمشق، إلا أن مسار التطبيع دخل في مرحلة من الجمود مع مطالبة سوريا بسحب القوات التركية بشكل كامل من شمال غرب البلاد، كشرط أساسي للتطبيع وهو الأمر الذي رفضته أنقرة حينها.
ويأتي الاجتماع الأخير الذي كشفت صحيفة “آيدن ليك” (Aydınlık) التركية عن تفاصيله، بالتزامن مع رفض أنقرة الكامل لإجراء ما يسمى الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا انتخابات محلية، حيث ترى ذلك محاولة “لإنشاء دويلة إرهاب” برعاية حزب العمال الكردستاني “بي كي كي” المدرج على قوائم الإرهاب لدى كل من تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وتأتي أهمية الاجتماع الأخير بين سوريا وتركيا كونه الأول من نوعه بين الطرفين على الأراضي السورية، و جرى في 11 حزيران برعاية روسية في قاعدة حميميم التي تتخذها روسيا مقراً لها في محافظة اللاذقية.
وركزت المحادثات على التطورات الأخيرة في إدلب والمناطق المحيطة بها، و جاء الاجتماع بعد يوم من لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان في موسكو، و خلص الاجتماع إلى عقد لقاء جديد في العاصمة العراقية بغداد.
والجديد في اللقاء أن اتفاق الجانبين يشير إلى عقد الاجتماع الثاني في العراق إلى قبولهما ببغداد وسيطا جديدا في المفاوضات بعد إعلان الأخيرة استعدادها لذلك.
و يلفت انعقاد اللقاء على الأراضي السورية إلى تحول جديد في مسار استئناف العلاقات بين أنقرة ودمشق.
ومن دوافع أنقرة من استئناف مسار التطبيع، أن أنقرة إلى الحد من نفوذ الفصائل المسلحة الكردية شمال شرق سوريا مثل “قوات سوريا الديمقراطية” “قسد” ووحدات الحماية الكردية.
و شددت أنقرة على استعدادها لتنفيذ عملية عسكرية في سبيل منع إقامة ما وصفته “بدويلة الإرهاب”، وتحدث زعيم “الحركة القومية” دولت بهتشلي عن إمكانية التعاون عسكرياً مع الحكومة السورية لمنع الانتخابات المحلية.
و تعمل أنقرة على تأمين عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعدما أصبحوا يشكلون ضغطاً على الحكومة في ظل استغلال المعارضة كل استحقاق انتخابي لاستعمال ورقة اللاجئين في حملاتها الانتخابية.
ويبقى الشرط الأساسي لسوريا للتطبيع مع تركيا هو إنهاء الاحتلال التركي لأراض سورية في الشمال، كما أعرب المسؤولون الأتراك في أكثر من مناسبة خلال السنوات الأخيرة عن شروطهم لتطبيع العلاقات مع دمشق عبر تنشيط العملية السياسية لإنهاء الأزمة في سوريا، وتهيئة الظروف اللازمة في جميع أنحاء البلاد لعودة السوريين الطوعية والآمنة ، ومكافحة الإرهاب على الجانب الثاني من الحدود التركية مع سوريا حسب زعم أنقرة.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعلن سابقاً عن استعداده للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك ضمن مسار بدأته أنقرة قبيل الانتخابات العامة منتصف العام الماضي من أجل إعادة تطبيع العلاقات مع دمشق عقب انقطاعها عام 2011.
وفي أيار2023، عقد أول اجتماع بين وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران وسوريا، في العاصمة الروسية موسكو، وذلك ضمن ما عرف بـ”الصيغة الرباعية”.
وجاء هذا الاجتماع تتويجاً للعديد من اللقاءات التي جمعت رؤساء استخبارات تركيا وروسيا وإيران وسوريا، فضلاً عن لقاء وزير الدفاع التركي بنظيره السوري بموسكو في كانون الثاني عام 2022، حيث اتفقا على تشكيل لجان مشتركة من مسؤولي الدفاع والمخابرات.
لكن المساعي التركية لإعادة تطبيع العلاقات، تعثرت بعدما اعتبرت سوريا أن هدف أردوغان من التطبيع هو “شرعنة وجود الاحتلال التركي في سوريا”، حيث ترى دمشق أن الإرهاب في سوريا “صناعة تركية”، وتطالب بسحب القوات التركية بشكل كامل من شمال غرب البلاد كشرط أساسي وجوهري قبل بدء أي خطوات للتطبيع.