داما بوست-خاص| مهما كبر حجم الحلف العسكري بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي تبقى حسابات واشنطن في المنطقة والعالم أدق بكثير من حسابات الكيان الصهيوني اللقيط، فأمريكا دولة لها علاقاتها المتشابكة والمعقدة مع الدول الكبرى، وربما تحسب ألف حساب قبل أن تنجر لمواجهة كبرى في المنطقة قد تطيح بكل أحلامها.
ويبدو أن قنوات الاتصال لا زالت مفتوحة بين جميع الأطراف المتناقضة والمتخاصمة في منطقة الشرق الأوسط ولا تزال تلك الأطراف قادرة على ضبط إيقاع الأحداث الملتهبة والتي يحاول الكيان تصعيدها وأخذها إلى حيث يريد.
الأوضاع حتى الآن رغم اشتعالها وغليان المرجل العسكري في المنطقة لا تزال ضمن قواعد الاشتباك المتعارف عليها، مع أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أحدثت تغييراً جذرياً في استراتيجيات المنطقة بردها القوي والمدروس والمبني على قواعد الشرعية الدولية بصفتها دولة معتدى عليها وعلى قنصليتها ومن حقها الرد على العدوان الصهيوني الذي قفز على جميع الشرائع والسنن الدولية والدبلوماسية.
من الواضح أن واشنطن تحاول الهرب بعيداً عن الكيان، واللعب في زاوية أخرى ترضيها، وتمكنت بطريقة ما من نزع فتيل “إسرائيل” بعدم دعمه بشكل علني لتفجير برميل الباردود في المنطقة.
الكيان لا يزال في ورطة غزة والتردد يأكل جسدة في الهجوم على رفح، والتركيز العسكري على إيران وحلفائها في المنطقة ليس من مصلحة الكيان المتآكل داخلياً وعسكرياً في غزة التي هي جزء من “الشرق الأوسط”، وعلى واشنطن أن تدرك أن مفتاح الهدوء في المنطقة هو وقف الحرب على غزة أو كما يسمونه “إطلاق النار في غزة”.
ومع أن توافق الولايات المتحدة مع الموقف الإسرائيلي يبقى أمراً واقعياً وتحالفياً، فإنه يرشح من تصريحات المسؤولين في إدارة بايدن أن البيت الأبيض يسعى إلى عدم توسعة الحرب في المنطقة لكن لا يتخذ أي خطوة عملية لوقف حرب غزة، والخلاف مع رئيس وزراء العدو نتنياهو إن وجد فهو على التكتيك العسكري وليس على الأهداف، إن كان لناحية غزة أو تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وإدارة بايدن تحاول الموازنة في المواقف واستخدام ما يكفي من القوة لحماية المصالح الأمريكية، بشكل لا يؤدي إلى مواجهة أكبر، وهذا ما تحاول الولايات المتحدة أن تقنع به حليفتها الصهيونية.
والمثال الواضح على ذلك هو أنه عقب ارتفاع أعداد الضحايا في غزة وتجاوز المئة ألف بين شهيد وجريح ومفقود معظمهم من النساء والأطفال تحدث الرئيس الأمريكي بحسب موقع بوليتيكو عن سوء إدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للحرب في غزة وقال “أعتقد أن ما يفعله هو خطأ، أنا لا أتفق مع نهجه”.
هذه التصريحات لم تكن كافية لوقف الدعم العسكري، فقد شحن بايدن أكثر من 10,000 طن من الأسلحة والذخيرة إلى “إسرائيل”، وتجاوز مرتين الكونغرس لتسريع عمليات نقل الأسلحة، واستخدم حق النقض “الفيتو” أربع مرات في مجلس الأمن لإفشال قرارات كان من ضمنها قراران لوقف إطلاق النار في غزة، وبحث، بحسب “ذي نيشن” كيفية تهجير 2.3 مليون فلسطيني بشكل دائم من غزة إلى صحراء سيناء، رغم أن الموقف الأمريكي المعلن يعارض التهجير.
هي لعبة المصالح الأمريكية، المترافقة مع سريان الخوف وقشعريرة الهزيمة في الجسد الأمريكي بعد الرد الإيراني الذي غير معادلات المنطقة وحرق أوراق الردع الأمريكية الإسرائيلية إلى غير رجعة.
ورغم ما تناقلته وسائل الإعلام الأمريكية من ظهور ملامح انقسامات بين واشنطن و”إسرائيل” بشأن الأسلوب المتبع في الحرب فإن مسؤول البيت الأبيض قال: نواصل دعم “إسرائيل” دون شروط، فالشروط ليست جزءاً من سياستنا، وهذا التصريح يأتي رغم ما يقوله حلفاء بايدن داخل الحزب الديموقراطي إنه على الحكومة حجب الأسلحة بسبب عدم التزام “إسرائيل” بالحد الأدنى من الخسائر في صفوف المدنيين.
الحرب بالنسبة للكيان وفي عقله منذ السابع من أكتوبر باتت كأنها بلا نهاية والجبهات كلها مفتوحة، فالنهج الإسرائيلي أصبح يهدد بشكل مباشر أهداف بايدن المعلنة لأنه يريد توسيع الحرب من غزة إلى لبنان وسوريا وربما إلى اليمن وحتى إيران، وتوسيع الحرب بالنسبة إلى الولايات المتحدة ليس في مصلحتها، وحتى أنه في العرف العسكري ليس من مصلحة الكيان الذي يريد الانتحار على عدة جبهات.