داما بوست- جمال ظريفة| تعد العلاقات السورية الإيرانية، نموذجاً حياً لعلاقات الصداقة والتعاون بين البلدان، في مسيرة امتدت منذ عام 1979، عام انتصار الثورة الإسلامية في إيران، على حكم الشاه عميل الإمبريالية وصديق الصهيونية، والتي ساهمت في قلب موازين القوى في الشرق الأوسط لصالح القضية الفلسطينية.
وفي ذلك الحين، كان للرجعية العربية المجاورة لإيران الدور الكبير بوضع العصي في عجلات القوة الصاعدة، تنفيذاً لأوامر المشغلين الغربيين، فكانت حرب صدام حسين والتي امتدت ثماني سنوات، بدعم وتمويل بترو دولار خليجي، لإجهاض الثورة وتخريب مراميها ومنجزاتها.
منذ بداية الثورة، أعلنت سوريا تأييدها لها، ووقفت إلى جانب طهران طوال الحرب العبيثة الصدامية، التي انهكت البلدين الجارين، والذي تربطهما علاقات اجتماعية واقتصادية كبيرة، باعتبارهما دولتان متجاورتان بحدود طولها 1458 كم.
لإيران مشروعها الحضاري، فهي ليست دولة فقط ،بل هي أمة فارسية، لها جذورها التاريخية والحضارية، وبصماتها في الحضارة الإنسانية، وهي أمة ولادة تنتج وتفكر وتكتب وتقرأ، وكانت نداً لكل الحضارات والدول التي نشأت في المنطقة .
ولما كان للحضارة العربية، أيضاً بصمات مشرفة في التاريخ الإنساني، لاسيما بلاد الرافدين، والحضارات التي توالت على هذه البقعة الجغرافية من العالم، كان لابد من التلاقي والتلاقح الحضاري بينها لإيجاد صيغ عيش مشترك يستفاد كل منهما من إنجازات الآخر.
ومن المنطلق الحضاري والموقف السياسي المؤيد للقضايا العربية التي رفعها قائد الثورة الخميني حينما أسقط المشروع الغربي وطرد محمد رضا بهلوي وأعوانه، التقط القائد المؤسس حافظ الأسد اللحظة التاريخية، وأعلنت سوريا وقوفها إلى جانب الثورة وحكومة الجمهورية الإسلامية في إيران، كما وقفت سوريا إلى جانب الجيش الإيراني في الحرب الباطلة مع النظام الصدامي، وبقيت تلك العلاقات راسخة إلى يومنا هذا، لا على العكس، فقد تمتنت أواصر الأخوة والتعاون وظهر ذلك جلياً في وقفة طهران المشرفة من الحرب الإرهابية الظالمة على سوريا، ووقوف ذات الرجعية التي حاربت الثورة الإسلامية ضد الشعب السوري، لحرف خياراته وإعادة توليف بوصلته إلى غير وجهتها الصحيحة.
زيارات على مختلف المستويات بين البلدين الصديقين، أسست لتشابك في المصالح الاقتصادية لكلا البلدين ما يعود بالفائدة لكلا الشعبين.
ولا يقتصر الدور الإيراني في الوقوف على جانب سوريا بالجانب العسكري، وإرسال المستشارين العسكريين ووقوفهم إلى جانب الجيش العربي السوري في خندق واحد، واختلاط دماء الشهداء في إرواء الأرض السورية لتينع خيراً من جديد، ولن اتطرق إلى دور الشهيد القائد قاسم سليماني في في محاربة الإرهاب والصهيونية، لأنه معروف للقاصي والداني، بل ودفع ثمن ذلك دمه.
الدعم العسكري في وقت الحرب، كان له دور كبير في حسم الكثير من المعارك، إضافة للدور السياسي في المحافل الدولية، والتي لم تدخر طهران جهداً في الدفاع عن الحق السوري في الدفاع عن النفس وإفشال المشاريع الغربية المغرضة.
وفي وقت اشتد فيه الحصار، وباتت حقول النفط إما في يد التنظيم الأكثر دموية على وجه الأرض وهو”داعش”، أو الأمريكيين وميليشياته في الشرق السوري امدت طهران وبقرار جريء سوريا بكل ما تحتاجه من النفط.
وتتويجاً للعلاقات السورية الإيرانية المميزة وللموقف الإيراني المشرف ،كان افتتاح أول خط ائتماني، في عام 2013 بقيمة مليار دولار، تبعه خط آخر بقيمة 3 مليارات دولار لتمويل احتياجات البلاد من النفط ومشتقاته.
وفي عام 2015، تم فتح خط ائتماني جديد بقيمة مليار دولار، استخدمت دمشق إيراداته في تمويل استيراد البضائع والسلع وتنفيذ المشاريع الخدمية وترميم البنية التحتية.
ولم تقتصر العلاقات السورية الإيرانية والدعم الإيراني للاقتصاد السوري على ذلك فحسب بل، تم توقيع الكثيرً من اتفاقيات التعاون الاقتصادي التي شملت مجالات حيوية أبرزها الكهرباء والسكك الحديد، برغم العقوبات الدولية المفروضة على البلدين الصديقين.
وفي كانون الثاني 2019، تم توقيع 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبرنامجًا تنفيذيًّا لتعزيز التعاون بين البلدين في المجال الاقتصادي والعلمي والثقافي والبنى التحتية والخدمات والاستثمار والإسكان وذلك في ختام اجتماعات الدورة الـ 14 من أعمال اللجنة العليا السورية- الإيرانية المشتركة التي عقدت في دمشق.
وفي نيسان الماضي، تم توقيع مذكرة تفاهم شاملة في سوريا بشأن تعزيز التعاون في مختلف القطاعات بين البلدين، تمخضت بعد جلسات عدّة للجنة الاقتصادية السورية الإيرانية المشتركة في دمشق، دامت يومين بمشاركة ممثلي الجانبين في قطاعات الاقتصاد والتجارة والإسكان والنفط والصناعة والكهرباء والنقل والتأمينات.
ومؤخراً أعلن عبد الأمير ربيهاوي المدير العام لمكتب غرب آسيا لمنظمة تنمية التجارة الإيرانية عن خطط إيرانية للتصدير بقيمة 500 مليون دولار إلى سوريا في العام الإيراني الجديد.
وتمثل تلك العلاقات القوية بين البلدين الصديقين، العقبة الكأداء في وجه العقوبات الأمريكية الغربية الظالمة على الشعب السوري، ورغم العقوبات المفروضة على الشعب الإيراني أيضا، لم تدخر طهران جهداً في الوقوف إلى جانب الشعب السوري في أزمته التي بدأت عام 2011ولم تنته بزلزال العام الماضي.