ارتفاع أسعار الأدوية يدفع السوريين إلى الطب البديل: أزمة صحية واقتصادية متفاقمة

أدى الارتفاع الكبير في أسعار الأدوية والمعاينات الطبية في سوريا إلى تغيير سلوك شريحة واسعة من المواطنين، الذين أصبحوا عاجزين عن تحمل تكاليف العلاج في المستشفيات والعيادات الخاصة، ما دفعهم إلى اللجوء المتزايد إلى الطب البديل، وعلى رأسه الأعشاب الطبية. في ظل هذا الواقع الاقتصادي الصعب، أصبحت سوق البزورية في دمشق مركزًا رئيسيًا للبحث عن وصفات علاجية بديلة.

اللجوء إلى الطب العربي البديل بسبب ارتفاع أسعار الأدوية:

في الأشهر الأخيرة، ارتفعت حركة الإقبال على محال العطارة في سوق البزورية بشكل ملحوظ، حيث أصبح الكثير من المرضى يبحثون عن علاج بديل للأمراض المزمنة أو الطارئة، في ظل أسعار الأدوية التي أصبحت خارج قدرة الغالبية. هذا التحوّل لم يعد مجرد خيار ثقافي أو تراثي، بل أصبح ضرورة اقتصادية فرضها الواقع، خاصة مع غياب الرقابة الفعّالة على أسعار الأدوية، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين السوريين.

الدواء رفاهية لمحدودي الدخل:

قبل سنوات، كان الدواء جزءًا أساسيًا من العلاج، لكن اليوم أصبح الدواء بالنسبة للكثير من السوريين رفاهية لا يمكن الوصول إليها. تشير شهادات مرضى لـ “الحل نت” إلى أن أسعار بعض الأدوية تضاعفت عدة مرات خلال فترة قصيرة، في حين أصبحت أجور المعاينات الطبية عبئًا إضافيًا لا يقل عن ثمن الدواء نفسه.

محمود نقرش، موظف متقاعد من ريف دمشق، يقول إن طبيبه وصف له دواء للقلب، لكن سعر العلبة تجاوز راتبه الشهري، مما دفعه للبحث عن بدائل في البزورية. ومع تزايد عدد السوريين الذين يلجأون إلى الأعشاب الطبية، تحوّلت محلات العطارة إلى مراكز علاج بديلة لبعض المرضى.

الأعشاب الطبية: بين التجربة والمخاطرة:

رغم أن الطب البديل أصبح متنفسًا للعديد من المرضى، إلا أن الاعتماد عليه لا يخلو من المخاطر، خاصة في حالات الأمراض المزمنة أو الخطيرة. سعاد سكر، سيدة خمسينية مصابة بالسكري، اضطرت للتوقف عن تناول دوائها بسبب غلاء الأسعار، وهو ما جعلها تلجأ إلى الأعشاب الطبية رغم عدم فعاليتها المؤكدة.

ويحذر الأطباء من الاعتماد العشوائي على الأعشاب دون إشراف طبي، حيث يمكن أن تتعارض بعض الخلطات العشبية مع الأدوية الأخرى، مما يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة.

سوق البزورية: صيدلية الفقراء:

لطالما كان الطب العربي جزءًا من الثقافة السورية، لكن عودته القوية اليوم تأتي كحل اضطراري فرضته الأزمة الاقتصادية. في وقت تزداد فيه أسعار الأدوية دون ضوابط حقيقية، يرى العديد من السوريين أن سوق البزورية في دمشق أصبحت “صيدلية الفقراء”، حيث يمكن للمرضى العثور على علاجات بديلة قد تكون أكثر توفيرًا من الأدوية باهظة الثمن.

أم أحمد، ربة منزل من دمشق، تقول: “أنا مش ضد الطب الحديث، بس شو أعمل؟ لما معاينة الطبيب صارت 100 ألف ليرة والدواء فوق طاقتي، فكل ما بقدر أعمله هو زيارة العطار”.

غياب رقابة الأسعار والأزمة الصحية:

الاعتماد على الحلول الفردية لم يعد مجرد اختيار، بل ضرورة فرضتها الأزمة الاقتصادية في سوريا. ومع غياب الرقابة على أسعار الأدوية وارتفاع تكاليف العلاج، يجد السوريون أنفسهم أمام خيارات محدودة، إذ يتعين عليهم الاختيار بين الطب البديل غير المضمون والطب الحديث الذي أصبح بعيدًا عن متناولهم.

الخطر المستمر على صحة السوريين:

مع الارتفاع المستمر في أسعار الأدوية والمعاينات الطبية، تبقى الصحة معلقة بين الحاجة والمخاطرة. في هذا المشهد، لم يعد السؤال: ما هو العلاج الأفضل؟ بل: ما هو العلاج الممكن؟

إقرأ أيضاً: أزمة حادة في مشافي الأمراض النفسية بسوريا: نقص الأخصائيين وتزايد مرضى الفصام

إقرأ أيضاً: مشافي سوريا: انهيار الطبابة المجانية وتحوّل المشافي إلى هياكل مفرغة

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.