بين الماضي المشترك والحاضر المأزوم… القاهرة ودمشق في مرحلة التهدئة الحذرة
داما بوست - أسعد موسى
تمرّ العلاقات السورية – المصرية على المستوى السياسي بحالة من الفتور، في حين تشهد على المستوى الشعبي توترًا واضحًا بين مناصري الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومؤيدي الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، يتجلى في تبادل الاتهامات والشتائم على مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى في البرامج الحوارية على شاشات القنوات السياسية.
ويرى بعض المراقبين أن هذا الفتور أو الصراع يعود إلى سلسلة من الحوادث، أبرزها ما جرى خلال إحدى المظاهرات في دمشق، حين أساء أحد المتظاهرين إلى الرئيس السيسي. غير أن جذور التوتر أعمق من ذلك، وترتبط بطبيعة الصراع بين دول تتبنى فكر الإسلام السياسي وأخرى تعارضه، مثل مصر التي أطاح فيها السيسي بحكم الإخوان المسلمين عام 2013 بعد إزاحته الرئيس محمد مرسي.
كما أن القاهرة كانت من الدول التي انفتحت على النظام السوري السابق، إذ زار وزير خارجيتها سامح شكري دمشق عام 2023، وأُعيد افتتاح السفارتين في كلا البلدين. وتتقاطع المواقف المصرية مع الإماراتية حيال التطورات في دمشق، إذ يتشابه نهج البلدين في التعامل مع حكم الرئيس أحمد الشرع.
وبرز البرود في العلاقات بين القاهرة ودمشق منذ اليوم الأول لوصول هيئة تحرير الشام إلى السلطة، إذ لم تُبدِ مصر انفتاحًا على سوريا كما فعلت بقية الدول العربية أو الغربية، سواء من حيث الزيارات الرسمية أو اللقاءات رفيعة المستوى. وزادت بعض الحوادث من حدة التوتر، وفي هذا السياق قال الكاتب السياسي المصري السيد شبل في حديثه لـ”داما بوست” إن “العلاقات السورية – المصرية تمر حاليًا بمرحلة فتور، لكنها ليست في حالة قطيعة دبلوماسية، بل توتر متراكم ناتج عن حوادث متتالية منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024”.
وأوضح شبل أن “العلاقات بين البلدين كانت تاريخيًا مميزة للغاية، بدءًا من الوحدة في عام 1958 وصولًا إلى التنسيق في حرب أكتوبر 1973″، مشيرًا إلى أن “مصر كانت من أوائل الدول التي رحبت بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في عام 2023، ثم دعمت مسار الاستقرار بعد التغيير السياسي في دمشق”.
وأضاف أن “العام 2025 شهد ثلاث حوادث رئيسية ساهمت في إشعال التوتر بين الجانبين”، موضحًا أن “الأولى كانت خلال مظاهرات شهدتها دمشق في سبتمبر (أيلول) 2025، حين ردد متظاهرون هتافات مسيئة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وللموقف المصري من القضية الفلسطينية، أثناء وقفة تضامنية مع غزة أمام الجامع الأموي”. وأشار إلى أن “السلطات السورية سارعت آنذاك إلى احتواء الموقف، إذ أصدرت وزارة الخارجية بيانًا استنكرت فيه تلك الهتافات، ووصفتها بأنها (حادث فردي معزول)، مؤكدة تقديرها الكبير لمصر شعبًا وقيادة”.
وكان الرئيس أحمد الشرع قد أصدر مرسومًا رئاسيًا عشية الذكرى السنوية لحرب تشرين/أكتوبر (6 أكتوبر/تشرين الأول)، قضى بإلغاء يومَي “عيد الشهداء” (6 أيار/مايو) وذكرى حرب تشرين 1973 من قائمة العطل الرسمية في البلاد.
وأثار القرار جدلاً واسعًا، خصوصًا أن مصر كانت الشريك الرئيسي في تلك الحرب التي خيضت بالدم من أجل التحرير، ما زاد من حساسية الموقف وأعاد إلى الواجهة رمزية الحرب في الوجدانين السوري والمصري.
وفي هذا السياق، قال الكاتب السياسي المصري السيد شبل إن “الحادثة الثانية تمثلت في هذا القرار بإلغاء عطلة السادس من أكتوبر، وهو ما أثار غضبًا واسعًا في مصر نظرًا لرمزية هذا اليوم الوطني والتاريخي”، لافتًا إلى أن “الإعلام المصري اعتبر القرار إهانة للتضحيات المصرية والسورية المشتركة، ومحاولة من النظام السوري الجديد للتقرب من تل أبيب وواشنطن”.
أما الحادثة الثالثة، بحسب شبل، فكانت “تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع خلال زيارته إلى الرياض الشهر الماضي، حين وصف مصر والعراق بأنهما من الدول (غير الناجحة)، في سياق إشادته بتجارب السعودية والإمارات وقطر، متجاهلًا الظروف الاقتصادية والتحديات الداخلية التي تواجه هذه الدول”.
وأشار الكاتب المصري إلى أن “الهواجس المصرية لا تقتصر على المواقف السياسية، بل تمتد إلى القلق من المسار السوري الجديد، لا سيما خشية القاهرة من أن تتحول سوريا إلى ساحة نفوذ لقوى الإسلام السياسي أو مصدر اضطراب إقليمي ينعكس على الداخل المصري، خصوصًا مع وجود أكثر من مليون ونصف لاجئ سوري في مصر”. وأضاف أن “مصر تشعر أيضًا بتراجع دورها في الملف السوري، في ظل تقارب دمشق مع تركيا وقطر”.
وختم شبل بالقول إن “الاحتمال الأقرب في المرحلة المقبلة هو التهدئة وليس التصعيد، لأسباب تتعلق بمصالح الطرفين”، موضحًا أن “سوريا تسعى لبناء شرعيتها الدولية ولا تستطيع تحمل خصومة مع دولة عربية كبيرة مثل مصر، في حين ترى القاهرة أن استقرار سوريا ضروري لأمنها القومي ولمصالحها الاقتصادية”. وأضاف أن “العلاقات التاريخية والشعبية بين البلدين، إلى جانب الدعم الخليجي لمسار التقارب، تشكل جميعها عوامل تدفع باتجاه استعادة الهدوء وفتح قنوات تعاون جديدة بين القاهرة ودمشق”.
ورغم ما يشوب العلاقات بين القاهرة ودمشق من توتر سياسي وحساسية شعبية متزايدة، فإنّ التقديرات تميل إلى أن الطرفين سيحافظان على الحد الأدنى من التواصل، تجنبًا لأي قطيعة تؤثر في التوازنات الإقليمية. فمصر لا ترغب في الدفع نحو أي تصعيد، فيما تسعى دمشق إلى تثبيت حضورها الدبلوماسي واستعادة الاعتراف العربي والدولي بشرعيتها.
وبين البرود السياسي والاحتقان الشعبي، تظل العلاقات السورية – المصرية محكومةً بمعادلة دقيقة من المصالح والرمزية التاريخية، قد تتيح المجال لمرحلة تهدئة حذرة، لكنها لا تُخفي حجم الفجوة المتنامية في الرؤى بين البلدين حيال ملفات الإقليم ومستقبله.
إقرأ أيضاً: التوترات بين سوريا ومصر: ردود فعل بعد تظاهرة في دمشق وبيان رسمي للتوضيح
إقرأ أيضاً: “إرهابي وقاتل”.. هجوم مصري على أحمد الشرع بعد تصريحاته في الرياض