السوريون بين الداخل والخارج… فجوة معقّدة ومعضلة صعبة الحل

داما بوست -خاص

بينما ينجح السوريون في الخارج غالباً في بناء علاقات اجتماعية أكثر انسجاماً وانفتاحاً، تبدو الصورة داخل سوريا مختلفة تماماً. هناك، تتزايد الحساسيات الطائفية، ويتبادل الناس الاتهامات، ويعيشون في دوائر ضيقة من الحذر وعدم الثقة. هذا التناقض يطرح سؤالاً ملحّاً: لماذا يتآلف السوريون خارج وطنهم، بينما يتباعدون داخله؟

انفتاح في الخارج… واحتقان في الداخل:

في بلدان اللجوء والاغتراب، يلتقي السوريون بمختلف مناطقهم وطوائفهم وانتماءاتهم. ظروف الحياة الجديدة تفرض عليهم التعاون، وتخلق مساحة للتواصل بعيداً عن الاستقطابات التي أنهكت بلدهم. في المدن الأوروبية، وفي مجتمعات الخليج، وكذلك في لبنان، باتت الصداقات بين السوريين أكثر شمولية، وغالباً ما تتلاشى فيها الحساسيات المناطقية والطائفية.

على الجانب الآخر، تبدو العلاقات داخل سوريا أكثر هشاشة. يسيطر القلق على تفاصيل الحياة اليومية، والناس حذرون في التعبير عن آرائهم والانفتاح على الآخر. الانقسام المجتمعي، الذي تعمّق خلال سنوات الحرب، يفرض نفسه على الأحاديث والتعاملات وحتى على الروابط الاجتماعية القديمة.

هل هي الأزمة المعيشية؟

يعتقد كثير من المختصين أن الضغوط الاقتصادية الخانقة داخل البلاد تلعب دوراً كبيراً في زيادة التوتر. فحين يصبح تأمين الاحتياجات الأساسية أمراً مريراً، ينكمش الناس حول ذواتهم وعائلاتهم، وتزداد العصبية بين المكوّنات الاجتماعية.

انقطاع الكهرباء، وغلاء المعيشة، وتراجع الخدمات، كلها عوامل تخلق بيئة توتّر يومي تجعل المجتمع أقل تسامحاً وأكثر حساسية لأي اختلاف.

أم هي ذاكرة الحرب؟

لكن الأزمة المعيشية ليست العامل الوحيد. فالأرض السورية شهدت خلال السنوات الماضية حرباً متعددة الجبهات والولاءات، حملت معها دماءً وانقسامات لم تندمل بعد. عاش السوريون داخل البلاد في بيئة أمنية وسياسية معقدة، تشكلت فيها الاصطفافات، وتراكمت خلالها جراح بين الجيران وأبناء المنطقة الواحدة.

خبراء الاجتماع يرون أن السوريين داخل البلاد ما زالوا يعيشون داخل صندوق ذاكرة مؤلمة، وأن إعادة بناء الثقة تتطلب زمناً طويلاً، وربما مصالحة شاملة لم تنضج ظروفها بعد.

الخارج يتيح مساحة للتجاوز:

في المقابل، يوفر العيش خارج سوريا مساحة للابتعاد عن تأثيرات الحرب المباشرة. هناك، لا وجود لحواجز أمنية أو خطوط تماس، ولا ثقل للانقسامات التي رسمتها سنوات الصراع. تتراجع الأحكام المسبقة، ويُعاد تشكيل الهوية الاجتماعية للسوريين بعيداً عن الانتماءات الضيقة.

المفارقة أن كثيراً من السوريين في الخارج يكتشفون لأول مرة أنهم أقرب لبعضهم مما كانوا يظنون، وأن الانقسام الذي عاشوه في الداخل لم يكن سوى نتيجة لظروف قاهرة.

فجوة مؤلمة… لكنها ليست نهاية الحكاية:

الفاصل بين السوري في الداخل والسوري في الخارج ليس اختلافاً في الثقافة أو القيم، بل اختلاف في الظروف، والضغوط، ودرجة الأمان، ومساحة الحرية المتاحة. والسؤال اليوم ليس لماذا حدث الانقسام، بل كيف يمكن ترميمه؟

المجتمع السوري، رغم كل ما مرّ به، ما زال يمتلك قدرة هائلة على تجاوز الجراح، لكن ذلك يحتاج إلى:

1- تخفيف الاحتقان السياسي والإعلامي

2- تحسين الظروف المعيشية

3- تعزيز المصالحة المجتمعية

4- خلق مساحات آمنة للحوار بين السوريين أينما كانوا

ولعل التجربة التي يصنعها السوريون في الخارج هي نموذج أولي لِما يمكن أن يبدو عليه مستقبل العلاقات داخل البلاد… حين تتاح الفرصة للتعافي.

إقرأ أيضاً: من التكبيرات إلى المجازر: كيف حولت وسائل التواصل الاجتماعي خطاب الكراهية إلى واقع دموي في سوريا

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.