من التكبيرات إلى المجازر: كيف حولت وسائل التواصل الاجتماعي خطاب الكراهية إلى واقع دموي في سوريا

داما بوست -خاص

في صباح يوم الخامس من مارس 2025، استيقظتُ وعائلتي في دمشق على أصوات تكبيرات تعلو من مكبرات الصوت، تكاد تخترق جدران منزلنا. كانت الكلمات تتردد في الأجواء: “حي على الجهاد”، “الشباب محاصرون”، “اليوم يومكم”، وهو ما كان يُعتقد في البداية أنه دعاء للجهاد ضد الاحتلال الإسرائيلي. ولكن اتضح سريعًا أن هذه التكبيرات لم تكن موجهة نحو “إسرائيل”، بل كانت دعوة لتصعيد العنف الطائفي ضد العلويين في الساحل السوري. هذا التحقيق يتناول كيف تحولت هذه التكبيرات إلى محرك رئيسي للمجازر الدموية التي أودت بحياة العديد من الأبرياء، وكيف تم استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لنشر خطاب الكراهية وتحفيز العنف.

الجزء الأول: المجازر في الساحل السوري – الضحايا والمجتمع المدني:

مع بداية شهر مارس 2025، تجمع أكثر من نصف مليون شخص من مختلف المحافظات السورية، محملين برغبة في الانتقام، واتجهوا إلى الساحل السوري. تحت شعار “الجهاد ضد العلويين”، بدأت المجازر الطائفية في هذه المنطقة، حيث شملت الحملات القتل الممنهج والتهجير، ولم تقتصر على استهداف العسكريين فقط، بل طالت أيضًا المدنيين الأبرياء، بما فيهم من كانوا معارضين للنظام السوري. وقد شكلت هذه المجازر مفاجأة كبيرة للبعض، حيث أن العديد من الضحايا كانوا من معارضي النظام أو حتى من الذين رفضوا المشاركة في الصراع.

لم تكن هذه المجازر مجرد أعمال قتل عشوائي، بل كانت تهدف إلى التطهير العرقي على أساس طائفي، مما يعكس حالة الانقسام المجتمعي الكبير الذي خلقته وسائل التواصل الاجتماعي وحملات التحريض التي انتشرت على هذه المنصات.

الجزء الثاني: بداية التحريض – كيف بدأت وسائل التواصل الاجتماعي في تأجيج الطائفية:

قبل أن تندلع المجازر في الساحل السوري، كانت حملات التحريض الطائفي تتزايد على منصات التواصل الاجتماعي طوال شهور. كانت الحسابات الوهمية، التي تجاوز عددها مليوني حساب، تستهدف العلويين في دمشق وحمص في البداية، وتوجه رسائل تحريضية تهدف إلى تقسيم الشعب السوري على أساس طائفي. هذه الحسابات كانت تنشر منشورات تحمل إشارات استفزازية وتهديدات مباشرة، متفادية بذلك أي رقابة حكومية محتملة بعد سقوط النظام.

أحد الفيديوهات الشهيرة التي انتشرت في هذه الفترة كان لمؤثرة سورية في أوروبا، التي دعت فيه إلى المزيد من القتل والتنكيل، قائلة: “إذبحوهم وانشروا جثثهم على الجبال، حتى لا يقال أن السمك جاع في عهد بني أمية”. لاقى هذا الفيديو رواجًا كبيرًا وكان له تأثير كبير في زيادة الاحتقان الطائفي بين الفئات المتنازعة في سوريا.

الجزء الثالث: الأدوار المختلفة – الداخل والخارج:

لم يكن التحريض مقتصرًا على الأشخاص في الخارج فقط، بل كان هناك مؤثرون داخل سوريا أيضًا يشاركون في هذه الحملات. في إحدى المدن الساحلية، ظهرت سيدة تُفاخر بأفعال المجموعات المسلحة، متحدثة بفخر عن جرائم القتل والتهجير التي طالت العلويين في المنطقة. هذه الظاهرة كانت جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى بث الرعب وزيادة الكراهية بين الطوائف المختلفة في سوريا.

كما شهدت الجامعات السورية تصاعدًا في التحريض الطائفي، حيث انتشر مقطع صوتي مسيء للرسول محمد (ص) تم نسبه لشخص من أبناء الطائفة الدرزية. هذا المقطع كان كفيلًا بتفجير أعمال عنف وتحريض طائفي في العديد من الجامعات، لا سيما في جامعة حمص حيث تم استهداف الطلاب الدروز، وامتدت موجة التحريض لتطال الشارع السوري بأكمله. حتى أن بعض العشائر من مختلف أنحاء سوريا أطلقت حملات تدعو إلى “الجهاد ضد الدروز”، ما أدى إلى تفجر موجة عنف رهيبة هناك، وكان التحريض هنا أخطر فقد ظهر تاجر تبنى كل من يذهب للقتال في السويداء تحت عنوان “من جهز غازيا” وقد تضمنت هذه الحملة تأمين العشائر والفصائل بكل أنواع العتاد والطعام وحتى النقل المجاني إلى السويداء …

الجزء الرابع: العدالة الانتقالية أم الانتقام؟

بينما كانت المرحلة الانتقالية في سوريا تسعى إلى تبني مسار سياسي لتحقيق عدالة انتقالية، كان هناك أطراف أخرى في الصراع تتجه نحو العدالة الانتقامية. بدأ الانقسام الطائفي في التزايد، حيث بدأت حملات التصفية على أساس طائفي تتصاعد بشكل غير مسبوق. ومع تصاعد العنف في الساحل السوري وفي السويداء، كانت المحافظات الأخرى تشهد حالة من الاحتقان الطائفي، من بانياس إلى جبلة، ومن حمص إلى ساحة الأمويين في دمشق.

في مقابلة مع إحدى الموظفات في دوائر الدولة السورية، التي طلبت عدم الكشف عن اسمها، أكدت أنه في اليوم الأول من المجازر، كانت الصدمة الكبرى تأتي من المقربين لها. فقد بدأ العديد من أصدقائها الذين كانوا يعملون معها في الدوائر الحكومية بنشر منشورات على فيسبوك تدعو لدعم الميليشيات التي تقوم بالذبح. هذا الموقف جعل الموظفة تشعر بالخيانة والصدمة. وأشارت إلى أن هذا كان تكرارًا لسيناريو عاشه العديد من السوريين الذين كانوا يشهدون تصاعد العنف الطائفي في محيطهم.

في مكان آخر، تحدث موظف آخر عن صدمته من موقف صديقه الذي رد عليه بالقول: “وماذا عنهم، كلاب العلوية يقتلون بعضهم، فلا بأس في ذلك.” كانت هذه اللحظة بمثابة دليل على التحول المأساوي الذي طرأ على المجتمع السوري، حيث أصبح القتل وتبرير العنف سمة سائدة بين العديد من أفراد المجتمع.

الخاتمة:

هذا التحقيق يسلط الضوء على كيفية تحويل الكلمات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى سكاكين تقطع نسيج المجتمع السوري وتغرقه في الدماء. على الرغم من الدعوات المتكررة للمصالحة والوحدة، فإن الكراهية والطائفية قد أصبحت تشكل تهديدًا مباشرًا لأي حل سياسي. السؤال الذي يبقى بلا إجابة هو: هل يمكن لسوريا أن تتجاوز هذه المجازر وتستعيد لحمة مجتمعها، أم أن الحرب الطائفية قد قطعت الطريق على أي إمكانية للمصالحة؟ قد تحدد هذه الإجابة مصير سوريا في المستقبل القريب…

إقرأ أيضاً: تصاعد العنف ضد النساء في سوريا وسط غياب العدالة وتعدد الجهات المسلحة

إقرأ أيضاً: تصاعد المجازر الطائفية في سوريا منذ سقوط الأسد: حصيلة القتلى 3908 مدني

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.