إقصاء في المكاتب ودماء في الشوارع.. تراجع مكانة المرأة السورية
تتزايد المؤشرات على انحسار حضور المرأة السورية في المجالين العام والمهني، في وقت تتصاعد فيه حوادث العنف التي تطال النساء في مناطق مختلفة من البلاد، ما يعكس واقعاً مركباً من التهميش البنيوي والعنف الاجتماعي، ويثير تساؤلات حول موقع المرأة السورية في المشهد بعد أكثر من عقد من التحولات.
احتجاج إعلاميات حلب على “الإقصاء المنهجي”
في مشهد غير مألوف داخل الوسط الإعلامي الرسمي، أصدرت مجموعة من الإعلاميات في مدينة حلب بياناً ندّدن فيه بما وصفنه بـ “الإقصاء الممنهج” الذي تتعرض له الصحفيات خلال اللقاءات الرسمية والاجتماعات التي يعقدها وزير الإعلام حمزة المصطفى في جولاته بالمحافظات، والتي يهيمن عليها حضور ذكوري شبه مطلق.
وأوضحت الإعلاميات في بيانهن أن اللقاءات الأخيرة للوزير في حلب خلت تماماً من أي مشاركة نسائية، وهو ما اعتبرنه دليلاً على تغييب متعمد للصحفيات عن المشهد الإعلامي العام، وعن مواقع التأثير وصنع القرار داخل المؤسسات.
وجاء في البيان:“نرفض التهميش والإقصاء ومحاولات إسكات أصواتنا خلال الاجتماعات الرسمية، ونطالب ببيئة عمل آمنة ومحترمة تضمن للصحفيات حقهن في التعبير والمشاركة الفاعلة”.
الاحتجاج الذي انطلق من حلب ليس الأول من نوعه، إذ سبقته صور واجتماعات مماثلة في محافظات درعا ودير الزور وحماة، أظهرت تغييباً شبه تام للنساء عن اللقاءات الرسمية، ما دفع ناشطين وحقوقيين إلى التحذير من تراجع واضح في تمثيل المرأة السورية داخل القطاع الإعلامي، رغم تاريخها الطويل في هذا المجال منذ أن كتبت مريانا المراش أول مقالة نسائية عام 1870.
من العزل المهني إلى العنف في الشارع
وفي موازاة هذا التراجع في الحضور المهني، تتصاعد على نحو مقلق وتيرة الجرائم التي تستهدف النساء في مختلف المحافظات السورية، في ظل ما وصفه ناشطون بـ “بيئة إفلات من العقاب” وغياب واضح للمحاسبة.
ففي غضون أسبوعين فقط من شهر تشرين الأول الجاري، وثّق ناشطون خمس جرائم قتل بحق نساء في حمص ودرعا وطرطوس ودير الزور، نُفّذت معظمها على يد مجهولين، في ظل غياب تفاصيل واضحة حول دوافعها أو نتائج التحقيقات الرسمية.
آخر هذه الجرائم وقعت أمس الجمعة في مدينة نوى بريف درعا الغربي، حيث قُتلت السيدة خيرية محمد علي الفضيل برصاص مجهولين. وقبلها بيومين، عُثر على جثة امرأة مجهولة الهوية مكبلة اليدين على كورنيش طرطوس، في جريمة هزت الشارع المحلي دون أن تصدر أي نتائج تحقيق حتى الآن.
وفي حمص، أثارت جريمة مقتل المعلمة ليال غريب أمام مدرستها في حي جب الجندلي صدمة واسعة، إذ أشارت المعلومات إلى أنها أم لأربعة أطفال، بينما تحدثت مصادر محلية عن دوافع طائفية محتملة وراء الجريمة.
وفي دير الزور، لقيت السيدة عبير العايش مصرعها برصاص مجهولين على دراجة نارية، لتضاف إلى سلسلة من الجرائم الغامضة التي لم يُعرف منفذوها بعد.
وفي الساحل السوري، سُجلت حالات اختفاء متكررة لنساء من طرطوس واللاذقية، ظهرت بعضهن لاحقاً دون توضيحات حول ظروف اختفائهن، ما زاد من الغموض والقلق الشعبي.
عنف بلا محاسبة
تقول ناشطات نسويات إن تزايد الجرائم ضد النساء يعود إلى غياب الإرادة الجدية في المحاسبة، وضعف القوانين الرادعة للعنف القائم على النوع الاجتماعي، فضلاً عن ثقافة مجتمعية لا تزال تميل إلى تبرير العنف أو التغطية عليه.
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بلغ عدد النساء اللواتي قُتلن خلال شهر شباط الفائت وحده 37 امرأة، فيما وصل عدد الضحايا من النساء خلال النصف الأول من العام الجاري إلى 194 امرأة من أصل 2818 مدنياً.
واقع واحد بصورتين
بين تغييب المرأة عن طاولة القرار في المؤسسات، وتصاعد العنف ضدها في الشوارع، تبدو صورة المرأة السورية اليوم متناقضة بين ماضٍ كانت فيه رائدة في الصحافة والعمل العام، وحاضرٍ تواجه فيه التهميش والمخاطر معاً.
فمن إقصاء الصحفيات في حلب إلى قتل المعلمات في حمص واغتيال السيدات في درعا وطرطوس، تتجلى أزمة أعمق من مجرد حوادث فردية، لتصبح مؤشراً على تراجع المكانة المجتمعية والمؤسسية للنساء في بلدٍ كان يُفترض أن يخرج من الحرب نحو مزيد من العدالة والمساواة.
اقرأ أيضاً:المرصد السوري: عمل قسري وانتهاكات داخل السجون السورية