عنب القنيطرة.. يواجه اختبارات صعبة بين الإنتاج والتسويق

مع بداية موسم قطاف العنب في محافظة القنيطرة، يعود هذا المحصول إلى الواجهة باعتباره جزءاً أصيلاً من هوية المنطقة الزراعية ومصدراً رئيسياً لمعيشة آلاف الأسر، خصوصاً في ريفها الشمالي. ورغم الارتباط التاريخي الوثيق بين الأهالي وكروم العنب، إلا أن الموسم الحالي جاء محمّلاً بجملة من التحديات التي تهدد استمرارية هذه الزراعة المتجذّرة.

زراعة متجذّرة وهوية زراعية

تشتهر بلدات مثل جباتا الخشب وحضر بكروم العنب الممتدة على سفوحها، مستفيدة من طبيعة جبلية ومناخ معتدل وفّرا بيئة مثالية لزراعة استمرت عقوداً طويلة. إلى جانب التفاح والكرز، بات العنب ركناً أساسياً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، إذ لا ينظر المزارع إلى كرومه كمورد دخل فحسب، بل كجزء من ذاكرة عائلية وإرث متوارث.

موسم صعب وتحديات إنتاجية

الموسم الحالي عانى من قلة الأمطار وتراجع وفرة المياه، ما انعكس على نمو الكروم وإنتاجيتها. كما برزت مشكلة نقص المبيدات والأسمدة بالكمية والسعر المناسب، الأمر الذي زاد من ضعف العناقيد وجودتها، وسط شكاوى المزارعين من غياب برامج دعم واضحة.

المزارع “أبو محمد” من ريف القنيطرة قال لموقع تلفزيون سوريا: “العنب بالنسبة إلنا أكثر من مجرد محصول، هو تاريخ وذاكرة. صحيح أنّ الموسم أضعف من السنوات الماضية، لكننا استطعنا أن نغطي التكاليف ونصرف جزءاً من الإنتاج.”

فجوة الأسعار وأزمة التسويق

التسويق مثّل التحدي الأبرز هذا العام، حيث يبيع المزارع كيلو العنب بسعر يتراوح بين 3000 و5000 ليرة سورية في أرضه، بينما يصل إلى الأسواق النهائية بأكثر من الضعف. هذا الفارق يعكس ضعف آليات التصريف وسيطرة الوسطاء على حركة البيع، ما يضطر المزارع إلى البيع السريع خوفاً من تلف المحصول سريع العطب.

المزارع “أبو عادل” من جباتا الخشب أوضح أن الإنتاج أقل من السابق، مضيفاً: “في سنوات مضت كنا نصرف محاصيلنا لأسواق دمشق وحتى خارج المحافظة، أما اليوم فالطلب أقل والأسعار بالكاد تغطي التكاليف.”

ويفاقم غياب معامل التوضيب والتصنيع المشكلة، إذ لا يملك المزارعون خيارات للتخزين الطويل أو تحويل المحصول إلى منتجات أخرى، ما يضعهم أمام خيار البيع الفوري ولو بخسارة.

تقديرات رسمية وإمكانيات التطوير

بحسب مديرية زراعة القنيطرة، بلغت المساحة المزروعة بالعنب هذا العام نحو 335 هكتاراً، وأنتجت ما يقارب 3.5 آلاف طن. وأوضح المهندس محمد رحال أن قلة الأمطار ونقص المواد الزراعية كانا سبباً رئيسياً في تراجع الكميات والجودة، مؤكداً أن الموسم أقل من المتوقع لكنه يشكّل قاعدة يمكن البناء عليها.

رحال شدّد على ضرورة وضع خطة متكاملة تبدأ بتأمين مستلزمات الإنتاج بأسعار مدعومة، مروراً بإنشاء مراكز للتوضيب والفرز، وصولاً إلى إقامة صناعات تحويلية تضيف قيمة اقتصادية وتمنع خسارة المحصول.

أبعاد اقتصادية واجتماعية

انعكاسات الموسم لم تقتصر على المزارعين بل طالت الوضع المعيشي لعائلات بأكملها، إذ يعتمد عدد كبير منها على دخل العنب كمورد رئيسي. ومع ضعف العائدات، يجد الأهالي صعوبة في تغطية نفقات حياتهم اليومية، من تعليم وصحة ومعيشة.

ويرى مختصون أن استمرار الظروف الحالية قد يدفع إلى تقليص المساحات المزروعة أو حتى التخلي عن الكروم، ما يهدد على المدى الطويل هوية المنطقة الزراعية. ويطرحون حلولاً أبرزها:

  • تأمين المبيدات والأسمدة بكميات كافية وبأسعار مدعومة.

  • إنشاء مراكز للتوضيب والفرز لتحسين جودة التسويق.

  • دعم الصناعات التحويلية كإنتاج الزبيب والدبس والعصائر.

  • إحياء دور التعاونيات الزراعية كوسيط منظم بين المزارعين والأسواق.

  • فتح قنوات تسويقية جديدة داخل البلاد وخارجها.

ورغم كل التحديات، يتمسك مزارعو القنيطرة بأرضهم وكرومهم. ويختصر “أبو محمد” المشهد بقوله: “لسنا ضد التعب ولا نخشى العمل، لكننا بحاجة إلى من يقف إلى جانبنا. إذا لم يتم دعمنا وتسويق محاصيلنا بشكل منظم، سنفقد مصدر رزقنا وسيضيع تعب عام كامل في أيام قليلة.”

اقرأ أيضاً:العنب: فاكهة الصيف التي تحارب أمراض العصر

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

 

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.