رغم انخفاض الدولار.. أسعار الأدوية في سوريا تواصل الارتفاع وتهدد الأمن الصحي للمواطنين
يعيش السوريون أزمة متفاقمة في قطاع الدواء، الذي يُعد شريان الحياة الأساسي لضمان الصحة العامة وسلامة المجتمع. فرغم التحسن النسبي في سعر صرف الدولار خلال الأشهر الأخيرة، استمرت أسعار الأدوية في سوريا بالارتفاع الجنوني، دون أي مؤشرات على انخفاض قريب، ما زاد من الضغوط المعيشية على المواطنين، خاصة أصحاب الأمراض المزمنة.
أزمة أسعار الدواء مستمرة منذ عهد النظام السابق
تعود جذور الأزمة إلى السنوات الأخيرة من حكم النظام السابق، حيث شهدت أسعار الأدوية قفزات كبيرة، وصلت في بعض الحالات إلى 300% وأكثر. ورغم التغيرات السياسية والحديث عن “إصلاحات صحية”، لم يطرأ أي تغيير فعلي على آلية تسعير الأدوية، لتبقى الأسعار على حالها أو تواصل ارتفاعها في بعض الأحيان.
فعلى سبيل المثال، دواء عيني كانت قيمته 1500 ليرة سورية، ارتفع إلى 31500 ليرة خلال أشهر قليلة، واستمر عند هذا الحد، رغم انخفاض الدولار من 20,000 إلى نحو 10,000 ليرة سورية.
ارتفاع أسعار الأدوية يهدد قدرة السوريين على العلاج
وبحسب موقع “الحل نت”، تشير التقديرات إلى أن نحو 50% من المواطنين السوريين يحتاجون إلى أدوية أساسية شهرياً، بتكلفة تتراوح بين 200 و320 ألف ليرة سورية، في حين تصل كلفة علاج الحالات المزمنة مثل السكري أو السرطان إلى مبالغ أعلى بكثير.
هذا في الوقت الذي لا يتجاوز فيه متوسط دخل المواطن السوري بعد زيادة الرواتب الأخيرة 750 ألف ليرة شهرياً (حوالي 75 دولاراً)، مما يجعل العلاج خارج قدرة شريحة واسعة من السوريين، الذين يعيش أكثر من 90% منهم تحت خط الفقر بحسب تقارير أممية.
غياب الرقابة وتفاوت كبير في أسعار الأدوية بين الصيدليات
يواجه السوريون أيضاً فوضى في تسعير الأدوية، حيث تختلف الأسعار من صيدلية لأخرى، دون وجود آلية رقابية واضحة. وتصل الفروقات في بعض الأحيان إلى 2000 ليرة سورية للدواء الواحد، مما يعكس وجود هوامش ربح مبالغ فيها تتجاوز 40%.
ويرى مراقبون أن هذه الفوضى ناتجة عن غياب الرقابة الحقيقية من الجهات المختصة، وتُبقي المواطن رهينة لتقديرات كل صيدلي على حدة، مما يضعف ثقة الناس بمنظومة الصحة والدواء.
الحكومة الانتقالية تواجه تحدي تسعير الدواء العادل
في ظل تصاعد الشكاوى، عقدت وزارة الصحة السورية اجتماعًا في تموز/يوليو 2025 لمناقشة توحيد تسعيرة الأدوية، بهدف التوفيق بين القدرة الشرائية للمواطن ومتطلبات الصناعة الدوائية، لكن حتى الآن لم تُعلن نتائج ملموسة أو قرارات تنفيذية.
التضخم العام ينخفض وأسعار الدواء تبقى مرتفعة
رغم تسجيل انخفاض في معدل التضخم العام إلى 15.87% في شباط/فبراير 2025 (مقارنة بـ22.70% في يناير)، لم ينعكس هذا التحسن على أسعار الأدوية، مما يدل على أن قطاع الدواء يعمل خارج منطق السوق، وبعيداً عن المؤشرات الاقتصادية العامة.
معاناة يومية.. ونداءات شعبية لتدخل حكومي عاجل
يعيش آلاف السوريين، لا سيما من كبار السن وأصحاب الدخل المحدود، معاناة مضاعفة في تأمين أدويتهم. ويضطر الكثيرون إلى الاستغناء عن العلاج أو تقليل الجرعات أو حتى اللجوء إلى بدائل غير آمنة، مما يهدد حياتهم بشكل مباشر.
وأكد عدد من المواطنين، بينهم متقاعدون وموظفون، أن رواتبهم لم تعد تكفي حتى لتأمين الدواء الأساسي، فإما يُضحّون بالغذاء أو التعليم، أو يُجبرون على التخلي عن العلاج.
مطالب بإصلاح جذري في قطاع الدواء
يطالب المواطنون الحكومة الانتقالية باتخاذ خطوات عاجلة لتثبيت أسعار الأدوية بشكل عادل، وإنشاء جهة رقابية مستقلة تتولى مهام مراقبة التسعير ومنع الاحتكار، بما يضمن حق السوريين في العلاج ويعيد الثقة بمنظومة الصحة العامة.