يعاني حوالي 12.1 مليون شخص في سورية، من انعدام الأمن الغذائي ونقص التغذية الحاد، بحسب برنامج الأغذية العالمي، ويعود هذا التدهور لأسباب عدة منها الجفاف المستمر منذ سنوات وارتفاع أسعار البذور والسماد مع ضعف القدرة الشرائية للمواطن بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بوقتٍ قصير، وتضاعف سعر سلة المواد الغذائية الأساسية التي يقيس عليها برنامج الأغذية العالمي نسبة تضخم أسعار الغذاء خلال 12 شهراً، وهذا ما أدى إلى ازدياد الاحتياجات الإنسانية بشكلٍ غير مسبوق في حين لا يغطي الأجر الشهري الذي يتقاضاه الفرد احتياجاته الشخصية، وبالتالي الأسرة السورية بحاجة أضعاف الدخل الشهري لتتمكن من الاستمرار لنهاية الشهر.
ووصلت معدلات التقزم بين الأطفال إلى 28% في بعض أجزاء سورية، وانتشر سوء التغذية عند الأمهات ليصل إلى 25% في شمال شرق سورية، كنتيجة مباشرة للمعدلات السابقة والتي يضاف إليها تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر والتي قدرت نسبة السوريين الذين يعانون تحت خط الفقر بنحو 90% من السكان.
وقالت أخصائية التغذية الدكتورة مريم ريمون سمعان لـ “داما بوست”.. ” في هذا الوضع الراهن وبسبب تتالي الأزمات على المجتمع السوري من كل النواحي، تأثرت تغذية أفراد المجتمع بشكل كبير وخصوصاً على الأطفال اللذين شكلوا أعلى نسبة من حالات سوء التغذية لهذا العام، فكانت معظم الحالات التي راجعت المراكز الصحية من الأطفال من عمر الأشهر إلى السنتين وذلك بسبب الاعتماد على المنتجات البديلة عن الحليب، لارتفاع سعره بشكل كبير مقارنةً بدخل الأسرة”.
ولفتت سمعان في حديثها لـ “داما بوست” إلى افتقار وجبات السوريين للبروتين الحيواني مثل الحليب ومشتقاته والبيض الذي يعد من أهم مصادر البروتين بالإضافة إلى اللحوم، حيث سببت غياب هذه الأصناف وحرمان الكثيرين منها إلى نقص غذائي حاد بالتالي أصبحت حياة المواطن على حافة الانهيار.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونسيف” فإن أكثر من 609,900 طفل دون سن الخامسة يعانون من “التقزم” في سورية، وارتفاع عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد بنسبة 48% من عام 2021 إلى 2022، وفي عام 2023 قبل الزلازل التي ضربت سورية في 6 فبراير، كان أكثر من 3.75 مليون طفل في جميع أنحاء البلاد بحاجة إلى مساعدات غذائية.
وأوضحت استشارية التغذية العلاجية ثناء صفوان الحسيني لـ “داما بوست” أن الفئة العمرية الأكثر تضرراً في سورية هي مرحلة الطفولة والمراهقة واليافعين، وهذا ما أدى إلى نتائج سلبية على صحة الطفل قد ترافقه مدى الحياة وتؤثر على تطوره، أما فيما يخص سوء التغذية عند اليافعين فله علاقة بالنضوج الجنسي والنضوج البيولوجي، وامتدت الحاجة إلى الغذاء بشكلٍ مضاعف فيما يخص كبار السن وظهر ذلك من خلال انخفاض الكتلة العضلية عند الكثيرين منهم وتأثر المصابين بهشاشة العظام لأن سوء التغذية يزيد من حالات الكسور وتأخر في حالات التآم الجروح بعد العمليات الجراحية.
وأضافت الحسيني.. “اتجه السوريون إلى البروتينات النباتية كبديل عن البروتينات الحيوانية بسبب عدم قدرتهم على شراء البروتين أو المنتج الحيواني ولتعويض النقص الذي عاشوه على مدى اثني عشر عاماً، وازدياد هذه الحالات جاءت من تراكم السنين التي تردت فيها الأوضاع الاقتصادية وصولاً إلى وجود حالات تستعدي المتابعة والعلاج والتدخل السريع من المختصين”.
وتقول السيدة “مريم غواني” وهي أم لخمسة أطفال لـ “داما بوست”.. “أصغر طفل عندي عمره 6 شهور، هاد الولد إجا على الدنيا بوقت الزلزال الي صار وتحديدا عنا بجبلة، وابني الثاني عمره سنة وعشر شهور، وعندي 3 بنات أعمارهن من 4 سنين لـ 6 سنين، ناقصنا كل شي من ملابس لاحتياجات الأطفال كلها، ما عم نقدر نجيب أكل بهالوضع، حليب مو قادرة جبلن لأنه وضعي المادي سيء وزوجي بيشتغل شو ما صحله، يعني كل يوم بيومه بيطلع المصروف ويا دوب يكفينا، مشتهيين ناكل كل شي من مواد غذائية لخضراوات لفواكه، يعني حتى البروتين النباتي ما عم نقدر نأمنه بسهولة، أحيان ولادي بيقولوا بدنا بيض بس أنا ما عم أقدر جيب، الشي الوحيد الي عم ناكله هو رز وعدس وخبزة وشاي بدون سكر”.
وقالت “أم علي” وهي سيدة من سكان دمشق وأم لأربعة أطفال لـ “داما بوست”..”أنا بشتغل ببيع الألبسة بالسكن الجامعي الطلابي لطالع مصاري ساعد زوجي بمصروف البيت والولاد لنطعميهن، ومع كل هالشغل ومو قادرين ناكل غير خضرة، يعني الفروج أو أي منتج حيواني مو قادرين نجيب منو، والشهر الماضي لما أكلنا فروج كان ببيت أهلي مو عندي بالبيت، وهذا النقص سبب مشاكل صحية لولادي، بنتي الكبيرة عمرها 19 سنة عم عالجا وأعطيها فيتامين د بسبب نقص المناعة، وبنتي الثانية نحيفة كتير وبدا دكتور تغذية ليعطينا بدائل عن البروتينات الحيوانية لتتحسن صحتها”.
وأوضحت حنين علبة وهي طالبة جامعية لـ “داما بوست”.. “أنا من عيلة فيها 4 أشخاص، أبي استاذ مدرسة وراتبه 100 ألف وهي المية بدا تكفينا أكل وشرب ولبس ودوا لأخي إلي عمرو 10 سنين صار معو ضعف وكثير مشاكل صحية بسبب سوء التغذية، بكثير أوقات كنا نختصر عحالنا أكل وعلاج لنقدر نستمر لآخر الشهر، وأنا بشتغل شو ما صحلي لأمن مصروفي بالجامعة وساعد أهلي بتكاليف التحاليل وغيرها من الاحتياجات الثانية ومنشان إذا مرضت أقدر شيل حالي”.
وأضافت علبة.. “بآخر فترة صرنا نعتمد عالبرغل والرز وغيرها من المخصصات الي بتطلعلنا من المؤسسة السورية للتجارة الداخلية، وأحياناً لا تنوجد فـ وجبتنا تكون بطاطا مسلوقة مع زيت الزيتون إذا انوجد”.