حملت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى السعودية أبعاداً عدة، تتجاوز التنسيق والتعاون المشترك، إلى العمل على تفاهمات كاملة لقضايا طالما شكلت عوائق أمام مسار العلاقات بين البلدين، والتي تنمو بشكل متسارعٍ وخلاف الإشاعات والتحليلات الرامية إلى وجود تعقيد وتنافر بين طهران والرياض.
وكان اللقاء الذي جمع عبد اللهيان بولي العهد السعودي والذي لم يكن متوقعاً أو مدرجاً على جدول أعمال الزيارة، هو ما شدد على فكرة إرادة وعزم البلدين لتوطيد العلاقات بسرعة كبيرة، وإيجاد حلول لمختلف القضايا، حيث أكد ولي العهد استعداد السعودية لفتح صفحة جديدة مع إيران.
ورغم كثرة الملفات الشائكة بين البلدين، إلا أنها لم تقف عائقاً في وجه محاولات التقدم، وإعراب كل من الرئيس الإيراني وولي العهد السعودي عن قبول دعوة زيارة كل منهما للآخر، دون أن يحدد الطرفان موعداً للزيارة أو شرطاً لها.
ويرى الكاتب والباحث السياسي “علي ثابت جديد” أن زيارة عبد اللهيان إلى السعودية تصب في إطار المناخ الإيجابي الذي انطلق في المنطقة منذ أشهر عدة، والذي لعبت فيه الصين دوراً محورياً بتحقيق التقارب بين قوتين إقليميتين (السعودية وإيران).
ويؤكد “جديد” لـ “داما بوست” أن الزيارة تعكس رغبة الدول في المنطقة بتخفيف التوترات نتيجة ازدياد حدة المخاطر وخصوصاً تمدد الإرهاب في المجتمعات”.
وحول اللقاء الذي دار بين عبد اللهيان وبن سلمان لقرابة ساعة ونصف، حسبما نقلت شبكة CNN، أكد الباحث السوري أن ملف اليمن والحرب عليه كان الملف الأساسي في هذه المباحثات مضيفاً أن “اتهامات السعودية لإيران بالتغلغل ضمن الدول العربية، ومخاوف من البرنامج النووي الإيراني، والمشاكل المتعلقة باستثمار حقل الدرة النفطي المتنازع عليه بين الطرفين، والعديد من الملفات الشائكة العالقة بين البلدين قد تم بحثها في هذا اللقاء”.
ويعتقد الباحث أن التركيز الإيراني يصب على أمن الخليج ومخاطر التواجد الأمريكي في المنطقة، مشيراً إلى أن نتائج هذه المباحثات قد تظهر جليةً على الساحة اليمنية وما سيتم التوصل إليه من حل إزاءها، قائلاً.. “إن أهم اختبار لهذه العلاقة ستكون منعكساتها على الحرب في اليمن”.
وركز في حديثه على أن تمديد زيارة عبد اللهيان ليوم آخر في السعودية يعكس بشكل حقيقي جدية ومساعي كلا الطرفين في هذه المباحثات، سيما أن استمرار التواصل بين البلدين من شأنه أن يقلل من حدة التوترات في المنطقة ككل.
وحول قبول الأمير محمد بن سلمان بالدعوة لزيارة طهران، يرى “جديد” أنها إشارة إلى أن عقداً كثيرة في طريقها للحل، مضيفاً.. “من الواضح أن مسار العلاقات يتصاعد، وطرق الحوار كثيرة مع استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وبدء عمل السفارات”.
لكن في الطرف المقابل، تُدرس تحركات وردود أفعال واشنطن تجاه سير هذه العلاقة نحو الأمام، ويرى محللون أنها لن تقف مكتوفة الأيدي، في ترجيح لمحاولات عرقلة قد تثبط عزيمة البلدين على إكمال السير في الاتجاه التوافقي بينهما.
ويؤكد “جديد” أنه رغم أن واشنطن لن تكون مرتاحة للشكل الذي وصلت إليه العلاقة السعودية الإيرانية عن طريق الوساطة الصينية، لكنها من جهة أخرى قد تجد بذلك وسيلة لتخفيف التوتر في المنطقة أمام انشغالاتها بصراعات في مناطق أخرى أكثر حيوية بالنسبة لها، وقد تستخدمها كوسيلة ضغط في مفاوضاتها مع إيران على المستوى النووي والامني في المنطقة، حسب قوله.
وفيما يخص التغير الذي طرأ على سياسات السعودية وما إن كان لذلك معاني تفيد بتراجع علاقتها مع واشنطن، يؤكد الكاتب والباحث السياسي “علي جديد” لـ “داما بوست” أن الأمير محمد بن سلمان ينظر للسعودية بمنظار مختلف، يركز على موقع السعودية كدولة قائدة في المنطقة، وبالتالي مع اندلاع الحرب في أوكرانيا أصبح يرى أن السعودية حتما تريد الحفاظ على علاقات قوية مع روسيا ولكن بعيدا عن حالة التبعية، والسعودية تبحث عن الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة للحفاظ على نموها واستقرارها الاقتصادي والحفاظ على طموحاتها في رؤيتها التنموية للعام 2030.
وكانت الصين قد توسطت بين السعودية وإيران في محادثات أفضت في العاشر من مارس/ آذار لتقارب بين البلدين وقرارات بإعادة تبادل السفراء بينهما، عقب تاريخ طويل من القطيعة بين البلدين إزاء قضايا مختلفة، بعد أن كانت بغداد وسيطة في 2021 لأول محادثات مباشرة جمعت السعودية وإيران، وبمساعدة سلطنة عمان أجرى البلدان لقاءات عدة ما بين عامي 2021 و2022، توّجت أخيراً بوساطة بكين.