السويداء تحت الحصار: مأساة إنسانية متصاعدة ومطالب عاجلة بالممرات الآمنة والقوات الدولية
داما بوست -خاص
في قلب محافظة السويداء الواقعة جنوب سوريا، يتفاقم الوضع الإنساني بشكل غير مسبوق، حيث يعيش سكان المدينة في حالة من الرعب وعدم اليقين، وسط تدهور حاد في الخدمات الأساسية، ونقص حاد في الغذاء والدواء، بالإضافة إلى تدهور الوضع الأمني.
السويداء التي لطالما تميزت بهدوئها النسبي في الأزمة السورية، باتت اليوم تعيش تحت حصار فعلي، مع استمرار الاشتباكات التي تفاقم من معاناة المدنيين.
إقرأ أيضاً: الرئاسة الروحية للدروز تعلن اتفاقًا لتهدئة الأوضاع في السويداء برعاية دولية
حصار خانق ونداءات من أجل ممر إنساني
أبرز مطالب سكان السويداء اليوم تدور حول ضرورة فتح ممر إنساني آمن يسمح بخروج الجرحى والمصابين لتلقي العلاج خارج المحافظة، وإدخال المساعدات الطبية والغذائية العاجلة.
هذا المطلب ليس ترفًا أو مطلبًا سياسيًا، بل حاجة إنسانية ملحة ترفضها قيود الحصار وغياب الأمن على الطرق.
محمد، أحد سكان المدينة، تحدث لشبكة داما بوست بمرارة: “أخوي مريض بقلبه، ومحتاج علاج في دمشق، لكن الطرق مسدودة، والأمان غير موجود. نطالب فقط بباب نخرج منه وندخل إليه المساعدة.”
وفي الوقت الذي تعيش فيه المدينة أزمة صحية حادة، تعيش عائلات كثيرة في مأساة واقعية لأن جرحاها لا يستطيعون الوصول إلى مستشفيات خارج المدينة بسبب الحصار المفروض.
إقرأ أيضاً: رويترز: دمشق بالغت في تفسير الدعم الأميركي لتوحيد السلطة
المستشفى الوطني: وضع مأساوي بلا علاج
المشفى الوطني في السويداء، والذي يمثل ملاذ المدينة الطبي الوحيد، بات على شفا الانهيار الكامل، نقص حاد في الكادر الطبي نتيجة الهجرة والخوف من القتال، أدوية تنفد بشكل يومي، انقطاعات متكررة في الكهرباء والماء تعرقل تقديم الخدمات الطبية الأساسية، عدد محدود من غرف العمليات التي تعمل في ظروف غير صحية.
سلوى، ممرضة في المشفى، تصف لداما بوست الوضع: “الكثير من المرضى يموتون لأننا لا نستطيع تقديم لهم العناية اللازمة. نشاهد الجرحى يتضورون جوعًا وعطشًا، ولا دواء يداويهم.”
الحالات الإسعافية التي تحتاج إلى عمليات عاجلة تُترك تنتظر الموت أحيانًا لساعات أو أيام، ما يضاعف مأساة السكان.
إقرأ أيضاً: السويداء بين وقف إطلاق النار والتحديات الأمنية: جهود مشتركة لتثبيت الاستقرار
نقص الغذاء والدواء: أزمة مستمرة
مع استمرار الحصار، تشهد الأسواق في السويداء نقصًا كبيرًا في المواد الغذائية الأساسية، فضلاً عن غياب الدواء.
الخبز الذي يُعتبر ضرورة يومية صار من الأماني البعيدة، والمواد الغذائية ترتفع أسعارها بشكل كبير نتيجة قلة العرض وارتفاع الطلب.
الأمهات يعانين خصوصًا من نقص حليب الأطفال، والمرضى المصابون بأمراض مزمنة باتوا عرضة لخطر حقيقي مع نفاد أدوية أمراضهم.
علي، رب أسرة، يقول: “لقد اضطررت لتقليل وجبات أولادي لأن الطعام لم يعد متاحًا بأسعار معقولة، كما أن أحد أبنائي يحتاج إلى دواء السكري، لكننا لم نجده منذ أسابيع.”
المشاهد القاسية: جثث في الشوارع وبيوت محترقة
الانتهاكات التي تعرضت لها المدينة مؤخراً تركت بصمات مأساوية، جثث لم يتمكن أحد من دفنها، متروكة في الشوارع لأيام تحت حرارة الشمس أو برد الليل، منازل كثيرة تحولت إلى رماد بعد تعرضها للقصف أو عمليات نهب وحرق، شوارع المدينة تملؤها أنقاض البيوت والجدران المهدمة، ما يجعل الحركة فيها خطيرة أو شبه مستحيلة.
نازحون من المدينة وصفوا لنا قصصًا مأساوية عن حالات فقدان الأهالي لأحبائهم وعن المعاناة في ظروف قاسية:
“لم أتمكن من إنقاذ أخي من القصف، والآن لا أستطيع حتى أن أدفنه بكرامة. الجميع يخافون الخروج في الليل بسبب القناصة.”
الحاجة إلى قوات دولية وفك الاشتباك
إلى جانب مطالب الممر الإنساني، يطالب الأهالي وبشكل متزايد بضرورة دخول قوات دولية محايدة أو بعثات فصل قوى لكبح الاشتباكات، وفرض حماية حقيقية للمدنيين.
السكان لم يعودوا يثقون بالجهات المحلية أو حتى الجيش، الذي يصفونه بأنه غائب أو عاجز عن فرض الأمن.
أحد وجهاء المدينة تحدث قائلاً: “نحن بحاجة لقوة محايدة تدخل، تضع حدًا للصراع، وتؤمن لنا الحماية التي نفتقدها، قبل فوات الأوان.”
الحشد القبلي بين الدعم والمخاوف
مع تفكك المؤسسات الأمنية والعسكرية، بات الحشد القبلي يلعب دورًا واضحًا في حماية الأحياء والتنسيق بين السكان، لكن هذا الدعم المحلي يبقى غير كافٍ في ظل حجم الكارثة، إذ أن الحشد لا يملك الإمكانيات الطبية أو اللوجستية للتعامل مع الأزمة.
عصمت، من الحشد المحلي، يقول: “نحن نحاول حماية أهلنا من القصف، لكن لا نستطيع تقديم أكثر من ذلك. نحتاج دعمًا خارجيًا عاجلًا.
صوت السويداء للإنسانية
السويداء اليوم ليست مجرد مدينة سورية تعيش أزمة، بل هي مختبر قاسٍ لأخطر أزمات الحصار والنزاع.
مطالب أهلها ليست مطالب سياسية أو مطالب سلطة، بل دعوات إنسانية عاجلة لإنقاذ ما تبقى من أرواح.
إن لم تستجب الجهات الدولية بشكل عاجل، فإن الكارثة الإنسانية ستتسع لتشمل أعدادًا أكبر من الضحايا، وستصبح السويداء شاهدة أخرى على مأساة إنسانية لا يُكتب لها نهاية في صمت
إقرأ أيضاً: اتفاق دمشق – تل أبيب: هدنة معلّقة بين اشتباكات الجنوب والتوازنات الإقليمية
إقرأ أيضاً: بعد أيام من العنف.. هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار الجديد في السويداء؟