أُعلن عن هدنة مؤقتة في محافظة السويداء جنوب سوريا، بين القوات الحكومية السورية والفصائل الدرزية المحلية، برعاية أمريكية وتنسيق من تركيا والأردن، وبدعم إسرائيلي. وجاء الاتفاق عقب تصاعد الاشتباكات العنيفة بين عشائر البدو ومسلحين دروز، أوقعت مئات القتلى ودفعت عشرات الآلاف للنزوح، ما دفع أطرافًا إقليمية للتدخل والضغط من أجل وقف فوري لإطلاق النار.
رغم إعلان التفاهم، لم تُنفّذ بنوده فعليًا على الأرض حتى اللحظة. مصادر ميدانية أفادت باستمرار حالة التوتر، وتسجيل اشتباكات متقطعة في ريف السويداء، في ظل غياب تنفيذ فعلي للاتفاق، مما يجعل الهدنة معلّقة بين التصريحات السياسية والواقع الميداني المنفلت.
إقرأ أيضاً: السويداء بين وقف إطلاق النار والتحديات الأمنية: جهود مشتركة لتثبيت الاستقرار
مضمون الاتفاق: حضور مشروط ودخول محدود
الاتفاق، حسب مصادر محلية، ينص على وقف إطلاق نار شامل، والسماح بدخول مؤقت للقوات الحكومية السورية إلى أجزاء من السويداء لمدة 48 ساعة، بهدف إعادة ضبط الأمن وتهدئة التوترات.
لكن هذا الدخول جاء بترتيب دولي وموافقة إسرائيلية، وهو ما اعتبره مراقبون تحولًا لافتًا في نمط التعامل الأمني في الجنوب السوري، إذ لم يسبق أن جرى مثل هذا التنسيق المباشر بين دمشق و”تل أبيب” منذ عقود.
غياب التنفيذ وارتباك ميداني
حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم تُطبّق الهدنة بشكل عملي، حيث لا يزال الحشد القبلي قائمًا، والمجموعات المسلحة على الأرض ترفض تسليم السلاح أو الخضوع لسلطة مركزية. بعض الفصائل عبّرت عن رفضها لما وصفته بـ”تفاهمات فوقية لا تراعي واقع الأرض”، بينما تحدث شهود عيان عن استمرار الاشتباكات في مناطق مختلفة من المحافظة.
الوضع هذا يُشير إلى ارتباك فعلي في تطبيق الاتفاق، ويكشف حدود قدرة الحكومة السورية على فرض سلطتها دون دعم خارجي مباشر أو تغطية إقليمية.
إقرأ أيضاً: تجدد الاشتباكات في السويداء يهدد بانهيار الهدنة الهشة
الهشاشة العسكرية: الدولة تعود بإذن
إحدى أبرز الإشارات الخطيرة في هذا الاتفاق هي أن الجيش السوري لم يعد قادرًا على الدخول إلى أراضيه من دون موافقة إسرائيلية، وهو ما يشير إلى تحول جوهري في ميزان القوى جنوب البلاد. فبدلًا من أن تفرض الدولة وجودها كسلطة سيادية، تُنفَّذ عملياتها ضمن تفاهمات دولية، وتحت سقف زمن محدد، دون قدرة حقيقية على الحسم.
هذا الوضع يعكس حالة هشاشة واضحة في البنية العسكرية، ويطرح تساؤلات حول دور الجيش في المرحلة القادمة، خصوصًا إذا باتت تحركاته مشروطة بإذن من قوى خارجية.
الحشد القبلي: استنفار محلي خارج الدولة
في موازاة ذلك، يُسجَّل تصعيد واسع في الحشد القبلي، الذي دفع بأرتال مسلحة نحو مشارف السويداء، احتجاجًا على تجاوزات من مجموعات درزية محلية.
هذا الحراك يُظهر أن العشائر باتت طرفًا ميدانيًا وسياسيًا لا يمكن تجاوزه، وأن أي اتفاق لا يراعي موازين القوى المحلية، لن يكتب له النجاح. كما يعكس ضعف حضور الدولة، وارتهان مكوناتها إلى حلول مؤقتة قائمة على تفاهمات قسرية لا تلامس جذور الأزمة.
إقرأ أيضاً: رويترز: دمشق بالغت في تفسير الدعم الأميركي لتوحيد السلطة
فيدرالية الأمر الواقع؟
الاتفاق، وإن وُصف بأنه أمني وتقني، إلا أنه في جوهره يؤسس لواقع جديد: تقاسم سيطرة ميدانية تحت إشراف دولي، وانكفاء فعلي للمركز السياسي في دمشق عن الجنوب. وقد اعتبر مراقبون أن هذا قد يُمهّد لنشوء مناطق شبه مستقلة بحكم الأمر الواقع، تمارس إدارة ذاتية ضمن تفاهمات أمنية، دون إعلان رسمي عن فيدرالية أو تقسيم.
“اتفاق الشرع ونتنياهو”؟
رغم أن دمشق وتل أبيب لم تصدرا بيانات رسمية بشأن الاتفاق، إلا أن الوصف المتداول في بعض الأوساط الإعلامية بأنه “اتفاق بين الشرع ونتنياهو” يعكس إحساسًا شعبيًا بأن القرار السوري بات خارج حدوده، وأن الدولة تدخل مناطقها بـ”إذن”، في مشهد غير مسبوق منذ 2011.
هدنة بلا هدنة
في المحصلة، لا يمكن اعتبار ما جرى في السويداء حتى الآن “هدنة حقيقية”، بقدر ما هو محاولة دولية لضبط انفجار أمني واجتماعي محلي، جرى التعامل معه عبر حلول مؤقتة لا تُعالج عمق الأزمة.
يبقى الجنوب السوري اليوم أمام مفترق خطير: إما عودة تدريجية للدولة عبر تفاهمات واقعية ومنصفة، أو تكرّس واقع الانقسام والتقاسم بين أطراف محلية وإقليمية، على حساب السيادة والاستقرار.
إقرأ أيضاً: بعد أيام من العنف.. هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار الجديد في السويداء؟