باتت المخيمات التي دأب كيان الاحتلال الإسرائيلي على تهجير الفلسطينيين من بلداتهم وقراهم إليها من خلال فرض عقيدة /جابوتنسكي/ القائمة على الاستيلاء على الأراضي وفرض الأمر الواقع بإقامة المخططات الاستيطانية شعلة صمود وعريناً للمقاومة الفلسطينية في وجه جبروت الكيان الغاصب وكابوساً من الرعب بين صفوف قواته.
ولعل مخيم جباليا الواقع شمال قطاع غزة وأكبر مخيماته إنموذجاً للصمود والمحرك الأول لجميع الانتفاضات الفلسطينية ومنبع انطلاقها ما جعله شوكة في حلق الاحتلال الذي لم يوفر أي عدوان له على القطاع المحاصر إلا واستهدف المخيم فيه ظناً منه أنه سيخمد صوت المقاومة والذي كان أحدثها المجزرة البشعة في /31/ تشرين الأول الفائت التي راح ضحيتها أكثر من 400 فلسطيني بين شهيد وجريح بعد أن استخدم مجرمو الكيان 6 قنابل تزن كل واحدة طناً من المتفجرات لتدمير حياً سكنياً كاملاً فوق رؤوس ساكنيه.
ورافق الرمزية النضالية لمخيم جباليا الذي أقيم عام 1948 ويسكنه حوالي 35 ألفاً ممن هجرهم الاحتلال بواقع 5587 أسرة فلسطينية طيلة السنوات السابقة أهمية ديموغرافية وأخرى استراتيجية نظراً لموقعه الجغرافي كونه الأقرب إلى معبر /إيرز/ ما جعله على مدى الـ75 عاماً الماضية رأس حربة للمقاومة ضد كل اعتداءات وجرائم الاحتلال ومخططات تهجيره للفلسطينيين في قطاع غزة وفرض النزوح القسري عليهم.
مخيم جباليا كان شاهدا على فظائع الاحتلال واعتداءاته بحق أهالي قطاع غزة حيث شهد المخيم عام/1967/ مجزرة شكّلت يومها شرارة مقاومة لم تنقطع في وجه المغتصب الإسرائيلي وبعد ذلك في عام 1970 عملت سلطات الاحتلال على تهجير قرابة 975 عائلة من المخيم وفي عام 1971 هدمت قرابة 3600 بيت منه.
“مخيم الصمود” شكل كابوساً يؤرق سلطات الاحتلال حيث شهد انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة) عام 1987 والتي واجهها الاحتلال بإرهاب غير مسبوق في محاولة منه لكسر الصمود الفلسطيني إلا انه فشل في ذلك بعد ان انتفض أطفال المخيم قبل رجاله في وجه جبروت الاحتلال وطغيانه.
وشكل مخيم جباليا الذي كان شاهدا على النكبة والانتفاضة والمعاناة وكل الاعتداءات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني شعلة النار التي هبت في وجه مغتصبي أراضي لاجئيه مواجها ببسالة وعنفوان كل أشكال الإرهاب الصهيوني والتي ترجمت من قبل الاحتلال على شكل مجازر واعتداءات ارتكبت بحق المخيم حيث استشهد ١٧ فلسطينيا عام ٢٠٠٢ خلال اقتحام قوات الاحتلال للمخيم، فيما أسفر عدوانه الوحشي في عام ٢٠٠٣ عن استشهاد ٦٥ فلسطينياً وإصابة أكثر من ٢٥٠ اخرين، إضافة إلى استهداف المخيم عام ٢٠٠٥ بعدد من الصواريخ ما أدى لاستشهاد وإصابة العشرات فيه، كما اعتدى الاحتلال عام/2014/ على مدرسة في المخيم ما أدى لاستشهاد /13/ فلسطينيا، فيما أسفرت مجزرة جباليا عام ٢٠٢٢ عن استشهاد ١٥ فلسطينياً معظمهم أطفال وإصابة العشرات.
وتجلت محاولات العدو الإسرائيلي الحثيثة للقضاء على روح المقاومة في مخيم جباليا خلال عملية طوفان الأقصى، من خلال التركيز المتعمد والمخطط لاستهدافه عبر قصف مربعات سكنية مأهولة وسط المخيم بمجازر يندى لها جبين البشرية العاجزة عن إيقاف تلك المذابح طيلة /43/ يوماً رغم استشهاد أكثر من/12/ألف فلسطينياً بينهم أكثر من /5000/طفلاً وسط أوضاع انسانية وصحية كارثية.
/مخيم النضال /كما يطلق عليه الفلسطينيون وليد النكبة وشاهد على طوفان الأقصى يرفع أطفاله دائماً قبضتهم في وجه الاحتلال مؤكدين على دحر العدو والتشبث بحق العودة وعيونهم ترنو إلى تحقيق النصر والحرية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.