توسع “دار الوحي” يثير جدلاً في سوريا.. احتجاجات على تعديل المناهج

تشهد مدارس “دار الوحي الشريف” القرآنية موجة جدل متصاعدة في سوريا، بعد أن اتسع نطاق فروعها عقب سقوط النظام السابق، لتشمل محافظات عدة مثل حلب ودمشق وحماة وحمص، إضافة إلى انتشارها في مناطق من ريف إدلب مثل خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب.

ورغم الإقبال الواسع الذي تحظى به هذه المدارس بين فئات مختلفة من السوريين، إلا أن التعديلات التي طرأت مؤخراً على مناهجها التعليمية بعد تبعيتها لوزارة التربية السورية، أثارت اعتراضات في الشمال السوري، باعتبارها فقدت بذلك صفتها كمؤسسة دينية مستقلة، وهي الصفة التي رافقتها منذ تأسيسها في أواخر عام 2017 في مدينة إدلب.

احتجاجات في إدلب رفضاً للتعديل
في العاشر من تشرين الأول الجاري، شهدت مدينة إدلب وقفة احتجاجية شارك فيها عدد من المعلمين والطلاب وأولياء الأمور، للمطالبة بالإبقاء على استقلالية “دار الوحي الشريف” والحفاظ على مناهجها الإسلامية الأصلية.

وقال مصدر محلي لموقع تلفزيون سوريا إنه اطلع على بعض التعديلات الجديدة، معتبراً أنها “تغييرات جوهرية تمس هوية الدار”، مضيفاً أن “مدارس الوحي الشريف بُنيت على تعليم القرآن الكريم وأهداف تربوية دينية واضحة، وأي تغيير في هذا الاتجاه سيضعف رسالتها التعليمية والروحية”.

رد إدارة الدار: “التعديلات محدودة وضرورية للترخيص”
في المقابل، أصدر رئيس مجلس إدارة “دار الوحي الشريف”، الشيخ عبد الله (أبو أحمد الشاوي)، بياناً أوضح فيه أن التعديلات جاءت استجابة لمتطلبات الترخيص الرسمي بعد التحرير، مشيراً إلى أن “الدار أصبحت قانونياً جهة غير رسمية، ومن شروط الترخيص الالتزام بمناهج وزارة التربية”.

وأوضح الشاوي أن التعديلات اقتصرت على المواد العلمية العامة، مثل الرياضيات واللغة الإنكليزية، بينما بقيت مواد التربية الإسلامية والآداب دون تغيير. وأضاف أن مادة اللغة العربية خضعت لتعديلات طفيفة لتتناسب مع الصياغة العلمية الجديدة، فيما ظلّ منهاج القرآن الكريم على حاله، مؤكداً أن الدار “تسعى لتربية جيل قرآني متوازن يجمع بين العلم والدين”.

وبيّن الشاوي أن المنهاج القديم ما يزال معتمداً كمصدر إثرائي يُستخدم خلال التدريس لدعم المناهج الجديدة، مشدداً على أن الهدف هو التطوير لا الإلغاء.

هوية خاصة وتميز في التعليم
اعتمدت “دار الوحي الشريف” منذ تأسيسها على ما يعرف بـ“المناهج الكونية”، وهي ذات الكتب الدراسية المعتمدة في المدارس العامة، مع إضافة مواد شرعية وتربوية ودروس في الأخلاق والسلوك. وتولي المدارس أهمية كبيرة لمادة القرآن الكريم، حيث لا يُسمح للطلاب بالانتقال من الصف الأول دون إجادة القراءة من المصحف، كما يُشترط لحصول الطالب على شهادة الصف الرابع أو الخامس أن يكون قد أتمّ حفظ القرآن كاملاً أو معظمه.

وتفرض المدارس زياً موحداً على الطلاب الذكور يتألف من الثوب العربي الرمادي مع قبعة بيضاء، فيما ترتدي الطالبات عباءات طويلة تغطي الوجه والرأس بالكامل، ويُمنع الاختلاط بين الجنسين في التعليم والإدارة. وتبدأ الحصص والاصطفاف الصباحي بتلاوة آيات من القرآن الكريم وترديد الشعارات الدينية.

ومع توسعها خلال السنوات الأخيرة، تشير تقديرات غير رسمية إلى أن عدد طلابها تجاوز 30 ألف طالب وطالبة. ويتولى الشيخ عبد الله الشاوي، المنحدر من قرية طعوم شرقي إدلب وأحد قيادات الصف الثالث في “هيئة تحرير الشام” سابقاً، رئاسة مجلس إدارتها، فيما يشغل هاشم الشيخ (أبو جابر) القائد العام الأسبق لـ“أحرار الشام” ثم لـ“هيئة تحرير الشام”، ويدير حالياً منطقة منبج، عضوية مجلس الإدارة.

من غزة إلى إدلب.. أصل الفكرة ومسار التمويل
يعود أصل فكرة مدارس “دار الوحي الشريف” إلى تجربة مشابهة في قطاع غزة، نقلها إلى سوريا أبو الزبير الغزي، أحد القادة السابقين في “هيئة تحرير الشام” الذي انشق لاحقاً واعتُقل بعد سقوط النظام السابق بسبب نشاطه الدعوي. وكان الغزي قد أطلق مطلع عام 2025 حملة “نصرة غزة” لجمع التبرعات للفلسطينيين، واستمر نشاطه رغم اعتقاله.

وقبل أن تصبح المدارس تابعة لوزارة التربية، كانت تعتمد في تمويلها على دعم جزئي من معبر باب الهوى، الذي تكفّل بتغطية جزء من رواتب المعلمين والمصاريف التشغيلية، إلى جانب التبرعات المحلية من التجار والموسرين. أما الطلاب فكانوا يدفعون مبلغاً رمزياً قدره 50 ليرة تركية شهرياً كمشاركة رمزية في العملية التعليمية.

اليوم، وبعد أن تحولت “دار الوحي الشريف” إلى مؤسسة تعليمية رسمية تتبع لوزارة التربية السورية، يُتوقع أن تُغطى نفقاتها التشغيلية من ميزانية الدولة، مع استمرار توسعها في المدن والمناطق السورية المختلفة.

اقرأ أيضاً:تصاعد الاستهدافات الطائفية في ريفي حماة وحمص.. مقتل أربعة عمال من عائلة واحدة وحرق مقام ديني

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.