انتخابات مجلس الشعب: بين التعددية والهيمنة
تُجرى انتخابات مجلس الشعب السوري لعام 2025 للمرة الأولى بعد سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، ما يجعلها محطة سياسية بارزة في المرحلة الانتقالية برأسة أحمد الشرع.
ويتألف المجلس الجديد من 210 مقاعد، يعيّن الرئيس ثلثها (70 مقعداً) بموجب المرسوم الرئاسي رقم 143 لعام 2025، بينما يُنتخب الثلثان الآخران (140 مقعداً) عبر هيئات ناخبة غير مباشرة تشرف عليها لجان فرعية مرتبطة باللجنة العليا للانتخابات والتي عينها أيضاً الرئيس احمد الشرع. ورغم أن الحكومة تطرح هذه الصيغة على أنها وسيلة لتحقيق التوازن في ظل ظروف استثنائية، إلا أن الآلية تثير جدلاً واسعاً حول استقلالية المجلس وقدرته على تمثيل تعددية سياسية حقيقية.
بين التفاؤل والتحفظ
تباينت المواقف بشأن دور المجلس المقبل. المرشحة المستقلة عن دائرة حلب، ندى الرشيدة، عبّرت في تصريحات لـ”المدن” عن نظرة إيجابية، ووصفت الانتخابات بأنها “فرصة ذهبية لبناء سوريا جديدة تعبر عن طموحات شعبها، خصوصاً في حلب التي تمثل قلب سوريا النابض”. وأكدت أن آلية الهيئات الناخبة “تتيح للمستقلين والقوى المحلية المشاركة، مما يعزز التمثيل العادل للمناطق المتضررة”.
وأوضحت الرشيدة أن حملتها تركز على ملفات إعادة الإعمار، تمكين المرأة، وإشراك الأقليات، معتبرة أن “الإعلان الدستوري المؤقت لعام 2025، رغم قصوره، يشكل إطاراً يمكن استثماره لتعزيز الوحدة الوطنية وإعادة بناء الثقة بين المواطنين والدولة”.
في المقابل، يرى الخبير السياسي السوري عبد الله الخير، أن الثلث المُعيّن يشكل أداة لتعزيز هيمنة السلطة التنفيذية. وقال لـ”المدن”: “غياب دستور دائم يمنح الرئيس سيطرة مباشرة على 33% من المقاعد، وهو ما قد يعيق سن قوانين إصلاحية ويحد من استقلالية المجلس”. وأشار إلى أن الإعلان الدستوري المؤقت “لا يضمن الحريات السياسية بشكل كافٍ، مما يجعل الانتخابات أقرب إلى إجراء تشريعي مرحلي لا إلى ممارسة ديمقراطية مكتملة”.
تحديات لوجستية وأمنية
من الناحية اللوجستية، تعتمد اللجنة العليا للانتخابات، برئاسة محمد طه الأحمد، على إحصاء 2011 لتوزيع المقاعد، حيث خصصت 35 مقعداً لدمشق و32 لحلب. إلا أن العملية تواجه عقبات نتيجة النزوح الواسع والتوترات الأمنية، الأمر الذي دفع إلى تأجيل الانتخابات في محافظات السويداء والحسكة والرقة.
ويثير هذا التأجيل مخاوف من تهميش مناطق حيوية، خصوصاً الشمال الشرقي الخاضع جزئياً لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، التي وصفت الخطوة بأنها “استبعاد سياسي”. كما أن غياب التصويت في مناطق الأقليات مثل الأكراد والدروز قد يضعف من شرعية المجلس المقبل.
أمنياً، تشكل الاشتباكات المستمرة في الحسكة والرقة عائقاً أمام تسجيل الناخبين والمشاركة في العملية، ما يزيد من أهمية دور المجتمع المدني في ضمان الشفافية. وتدعو منظمات مثل “مركز الإصلاح السوري” إلى مراقبة دولية، مع تحديد نسبة تمثيل نسائي لا تقل عن 20%.
اختبار للانتقال الديمقراطي
بينما تراهن شخصيات مثل ندى الرشيدة على أن الانتخابات يمكن أن تكون خطوة أولى نحو التعددية السياسية، يحذر محللون مثل عبد الله الخير من خطر تكريس الهيمنة التنفيذية. ويجمع الطرفان على أن الشفافية والمشاركة الشاملة تمثلان شرطين أساسيين لإنجاح المرحلة الانتقالية وبناء تجربة ديمقراطية قادرة على الصمود.
وبين التفاؤل والتحفظ، تبقى انتخابات 2025 اختباراً حقيقياً لسوريا الجديدة، إما أن تفتح الباب أمام التعددية، أو تكرّس استمرارية النفوذ التنفيذي في مرحلة ما بعد الأسد.
اقرأ أيضاً:سوريا: صدور القوائم الأولية لانتخابات مجلس الشعب وفتح باب الطعون