الفراغ السياسي في الساحل السوري يتعمّق… وصراعات الأجنحة تزيد التوتر
لا يزال الساحل السوري يعيش منذ الثامن من كانون الأول الماضي حالة فراغ سياسي غير مسبوق، وسط توقعات بحدوث تغييرات محتملة في المنطقة، نظراً لوجود خلايا متفرّقة من قوات الجيش السوري السابق، إضافة إلى آلاف المقاتلين الذين لجأوا إلى لبنان خلال مرحلة سقوط النظام.
وكشف مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، في تصريح لجريدة “الأخبار” اللبنانية، أن ما يقارب أربعة آلاف مقاتل من الجيش السابق التحقوا بـ“قوات سوريا الديمقراطية“، مشيراً إلى ظهور حالات مماثلة في السويداء، لكن بأعداد محدودة لا تتجاوز العشرات.
توقف مفاجئ لدعم رامي مخلوف… وتحولات في موازين القوى:
وتزامناً مع التوتر السياسي في الساحل، أكد «المرصد» أن رجل الأعمال رامي مخلوف أوقف فجأة كل أشكال الدعم المالي للعسكريين والأمنيين والإعلاميين العلويين داخل سوريا وفي لبنان، وهو ما أكدته مصادر “الأخبار” أيضاً. وترى هذه المصادر أن خطوة مخلوف تأتي في سياق صراع أجنحة حول مستقبل الساحل، بين من يتمسّك بالحل العسكري، وبين من يدفع باتجاه خيار سياسي مدعوم بضغط روسي، معتبرين أن مخلوف بات أقرب إلى الخيار السياسي منه إلى العسكري.
غياب الظهير السياسي عن الساحل… وتنامي الشكوك والاحتقان:
منذ سقوط النظام، بدا الساحل منطقة بلا حاضنة سياسية أو اجتماعية، بخلاف مناطق أخرى مثل السويداء أو المناطق الكردية. واستمر هذا التهميش مع تصاعد عمليات القتل على الهوية وحالات الخطف شبه اليومية، وسط انتشار خطاب يحمّل الطائفة العلوية مسؤولية ممارسات النظام السابق.
كما تتعامل القوى السياسية المحلية في الساحل مع السلطة الجديدة بارتياب واضح، إذ يرى كثير منها أن أحداث 8 كانون الأول لم تكن التغيير الذي انتظره السوريون، بل تغييراً ذا انعكاسات سلبية على المنطقة وشعبها، بحسب اجتماع داخلي لـ“تيار التغيير السلمي“ ذي الأصول الماركسية.
قوى سياسية جديدة… وأزمات داخلية تعمّق الانقسام:
ومع تراجع الأحزاب التقليدية مثل الحزب الشيوعي والحزب السوري القومي الاجتماعي نتيجة الانشقاقات المتكررة، برزت ثلاث قوى رئيسية في المشهد السياسي في الساحل:
الحركة المدنية الديمقراطية:
تضم عدة تنظيمات وتيارات تسعى لبناء دولة مدنية، لكنها تعاني من صعوبة التوحد تحت إطار موحد، ما قلل من تأثيرها.
حركة الشغل المدني:
أسسها المحامي عيسى إبراهيم عام 2012، وشهدت نشاطاً متزايداً بعد سقوط النظام، وعلى الرغم من النشاط الذي أبداه إبراهيم في مرحلة ما بعد السقوط والمجازر، والذي تكلّل بظهور كيان جديد، في آب الفائت، أطلق عليه اسم «المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا»، فإن سلسلة الانسحابات التي حدثت من المجلس بعد أسبوع من تأسيسه أثارت شكوكاً حول مدى قدرته على أن يكون فاعلاً.
التيار السوري المدني الحر:
منظمة اجتماعية تأسست في كانون الثاني 2025، مقرها الولايات المتحدة، وتطرح رؤية لإعادة بناء الدولة على أسس مدنية وديمقراطية.
فراغ سياسي عميق… وإحباط شعبي متزايد:
تعيش المنطقة حالة قلق متصاعد نتيجة ضغوط السلطة التي يُنظر إليها في الأوساط العلوية باعتبارها غير بريئة وربما تسعى لتجاوز مجرد فرض الاستقرار نحو أهداف أبعد. كما أدّى الفراغ السياسي إلى شعور شريحة واسعة من أبناء الساحل بأنهم باتوا في حالة “ضياع” بعد أن كانوا يعتبرون أنفسهم جزءاً من النخبة المؤثرة في البلاد.
جذور الأزمة: سياسات النظام السابق:
الفراغ الحالي ليس جديداً، بل هو نتيجة مباشرة لسياسات النظام السابق الذي عمل على تفكيك البنى التقليدية للمجتمع وتهميش الزعامات المجتمعية والدينية والسياسية. وعلى الرغم من أن هذا النهج اتُّبع على امتداد سوريا، إلا أن تجلّياته في الساحل كانت الأبرز، وذلك انطلاقاً من رؤية مفادها أن “الزعامة لا تكتمل ما لم تُحكَم البيئة التي خرجت منها أولاً”. وفي كتاب باتريك سيل “الأسد والصراع على الشرق الأوسط” الكثير ممّا يؤكد على محورية هذه الرؤية في ذهنية النظام السابق؛ إذ ينقل الكاتب البريطاني عن حافظ الأسد، إبّان الصراع الذي دار ما بينه وبين أخيه مطلع عام 1984 وصولاً إلى ربيعه، قوله: “كيف يمكن أن أكون زعيماً لسوريا وزعامتي على القرداحة منقوصة أو غير قائمة؟”.
إقرأ أيضاً: العلويون في سوريا: من التهميش إلى محاولات التغيير والمطالبة بالتمثيل
إقرأ أيضاً: التايمز تكشف عن إفلات قتلة مدنيي الساحل السوري من العقاب رغم الأدلة الموثقة