ما التحديات التي تعيق تشكيل هوية اقتصادية واضحة لسوريا؟
تتزايد الأسئلة حول مستقبل الاقتصاد السوري في ظل المرحلة الانتقالية، خصوصاً بعد التغييرات الإدارية الواسعة التي شهدتها مؤسسات الدولة عقب سقوط نظام الرئيس بشار الأسد. وفي ظل هذا المشهد الضبابي، برزت إشكالات مرتبطة بعدم وضوح الاتجاه الاقتصادي العام، ما انعكس على قدرة المؤسسات والفاعلين المحليين على فهم السياسات الاقتصادية الجديدة أو التكيّف معها.
وفي هذا السياق، قدّم الباحث الاقتصادي الدكتور كرم الشعار محاضرة في غرفة تجارة دمشق، تحت عنوان “نحو الهوية الاقتصادية السورية الأمثل”، تناول خلالها مسار التحولات التي مرّ بها الاقتصاد السوري منذ عام 2011، والمشكلات البنيوية التي تراكمت نتيجة سوء إدارة الملف الاقتصادي.
مسار من التحولات ونتائج عميقة على المؤسسات
استعرض الشعار خلال المحاضرة المراحل التي مرت بها البلاد، من انطلاق الثورة ثم تحولها إلى حرب أهلية، وصولاً إلى ما بعد سقوط النظام، مشيراً إلى أن هذه التحولات لم تُخلّف آثاراً سياسية فحسب، بل غيّرت جذرياً شكل المؤسسات الاقتصادية وآليات اتخاذ القرار داخل الدولة.
وأوضح أن واحدة من أكثر المشكلات إلحاحاً اليوم تتمثل في التشويش الذي أحدثته التغييرات الإدارية الواسعة، حيث فقد كثير من العاملين القدرة على تحديد اتجاه السياسات أو فهم من يمتلك سلطة القرار الفعلية داخل المؤسسات.
وقال الشعار: “التغييرات التي جرت بعد سقوط النظام أحدثت ارتباكاً كبيراً في آليات العمل الاقتصادي، وأضعفت القدرة على رسم مسار واضح للسياسات العامة”.
مؤسسات موازية تربك الحوكمة
ولفت الباحث الاقتصادي إلى بروز ما وصفه بـ”المؤسسات الموازية”، والتي باتت تدير ملفات اقتصادية مهمة خارج الإطار الحكومي التقليدي. وأكد أن وجود هذه المؤسسات خلق ازدواجية داخل الدولة، جعلت من عملية صناعة القرار الاقتصادي عملية غير واضحة ومشحونة بالغموض.
وأوضح أن ازدواجية المؤسسات — بين الرسمية والموازية — أدت إلى ضبابية في معرفة المكان الذي تُصنع فيه السياسات فعلياً، في ظل غياب تشاركية حقيقية في إدارة القطاع الاقتصادي، رغم وجود هامش محدود من الاستماع لوجهات النظر المختلفة.
التعامل غير المتوازن مع الفاعلين الخارجيين
وفي جانب آخر، اعتبر الشعار أن الانفتاح الواسع على الفاعلين الخارجيين، مقابل ضعف إشراك الفاعلين السوريين المحليين، يمثل خللاً جوهرياً في إدارة الملف الاقتصادي.
وأضاف: “الانفتاح على الخارج اليوم أكبر بكثير مما هو على الفاعلين السوريين أنفسهم، وهذا يخلّ بالأولويات، لأن القوة الاقتصادية الحقيقية تتشكل من مجموع الفاعلين المحليين أكثر مما تتشكل من أي اتفاقيات أو مذكرات تفاهم خارجية”.
ورغم إقراره بوجود مستوى مقبول من الاستماع من قبل الحكومة للآراء الاقتصادية الأخرى، شدد على أن الاستماع وحده لا يكفي لبناء هوية اقتصادية مشتركة، من دون شراكة فعلية في صنع القرار.
غياب وضوح الرؤية يهدد فرص التعافي
وفي ختام محاضرته، أكد الشعار — وهو مدير شركة “كرم شعار للاستشارات” — أن الهوية الاقتصادية السورية مشروع طويل الأمد، لا يمكن بناؤه في ظل استمرار الارتباك المؤسسي وازدواجية المؤسسات والانفتاح غير المتوازن.
وحذّر من أن استمرار إدارة الملف الاقتصادي بالطريقة الحالية سيجعل أي خطة للتعافي محدودة وغير قابلة للتطبيق، حتى وإن بدت جيدة نظرياً، مشيراً إلى أن بناء اقتصاد مستدام يتطلب وضوحاً في مؤسسات الدولة، وإشراك السوريين أنفسهم بصورة حقيقية في رسم المسار الاقتصادي لسوريا المستقبل.
اقرأ أيضاً:نداء استغاثة لسوريا: خطة الـ 3.2 مليارات دولار لم تحصل إلا على الربع