معتقلو درعا المجهولون في سجون “إسرائيل”.. عائلات تبحث عن إجابات
في الرابع من تشرين الأول، وجد مهنا البريدي نفسه محاصراً مع عائلته داخل منزله في قرية جملة بريف درعا الغربي. سبع عشرة مدرعة تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي طوقت المكان، قبل أن يقتحم جنود مدججون بالسلاح المنزل، موجهين بنادقهم نحو الجميع، في مشهدٍ ترك الخوف والذهول في نفوس أهله.
يقول البريدي إن القوة اقتادت ابنه محمد ورفاقه محمود البريدي ومحمد السموري، بعد أن كبّلتهم وصادرت ثلاثة هواتف وحاسوباً محمولاً، ثم غادرت دون أن تقدم أي تفسير أو مذكرة توقيف. ومنذ ذلك الحين، لا يعلم شيئاً عن مصيرهم.
ويضيف الأب في حديثه أن الكلاب العسكرية التي أُدخلت إلى المنزل بحثاً عن السلاح لم تجد شيئاً، مؤكداً أن أبناءه مدنيون لا علاقة لهم بأي نشاط مسلح. ويطالب البريدي الحكومة السورية والمنظمات الدولية بالتحرك للكشف عن مصيرهم، بعد أكثر من أسبوعين على اختفائهم.
اعتقالات متكررة قرب الحدود
ليست حادثة جملة الأولى من نوعها. ففي 10 تشرين الأول الحالي، اعتقلت “القوات الإسرائيلية” خمسة مدنيين من بلدة صيدا الحانوت بريف القنيطرة الجنوبي، بينهم راعيان وثلاثة مزارعين، أثناء عملهم قرب خط وقف إطلاق النار.
وتشير روايات الأهالي إلى أن “إسرائيل” عادة ما تفرج عن بعض المعتقلين بعد ساعات، لكنها تحتفظ بآخرين لفترات طويلة دون إعلان واضح عن مكان احتجازهم أو التهم الموجهة إليهم.
“أندوف”: محتجزون بانتظار المحاكمة
عائلات المعتقلين في جملة توجهت إلى بعثة الأمم المتحدة لمراقبة فضّ الاشتباك (أندوف)، الموجودة في المنطقة، مطالبةً بكشف مصير أبنائها.
وجاء رد البعثة في رسالة رسمية باللغة الإنجليزية، جاء فيها أن “الجيش الإسرائيلي يحتجز الأشخاص المعنيين لتورطهم في أنشطة إرهابية ضد دولة إسرائيل”، مضيفة أنهم “ينتظرون محاكمتهم أمام القضاء الإسرائيلي، ويُحتجزون في ظروف قانونية سليمة، وحالتهم الصحية مستقرة”.
لكن الأهالي، وعلى رأسهم مهنا البريدي، يعتبرون هذه الإجابة “غير كافية”، ويطالبون بتوضيح ماهية “النشاط الإرهابي” المزعوم، أو الإفراج عن أبنائهم إن كانوا أبرياء.
تجاهل رسمي وغموض مستمر
يقول البريدي إنه راجع وزارتي الخارجية والإعلام في دمشق دون أن يتلقى أي ردّ أو تطمينات. ويشير إلى أن “إسرائيل”، في حالات سابقة، أفرجت سريعاً عن محتجزين من قرى حوض اليرموك، إلا أن احتجاز ابنه ورفاقه المستمر منذ أكثر من 12 يوماً يثير القلق.
ويستذكر أيضاً مصير الشابين علي وبهاء العبدالله من بلدة معرية، اللذين اعتقلتهما القوات الإسرائيلية في حزيران الماضي، وما يزال مصيرهما مجهولاً حتى اليوم، رغم وعود الحكومة بمتابعة الملف.
واقع أمني جديد في الجنوب السوري
يشير البريدي إلى أن قوات الإحتلال “تدخل متى تشاء إلى أي منطقة في حوض اليرموك دون وجود قوة تردعها”، مضيفاً أن بعض الاعتقالات تستند إلى “تقارير كيدية” من متعاونين محليين.
ويرى ناشطون محليون أن “إسرائيل” فرضت واقعاً أمنياً جديداً في الجنوب بعد سقوط النظام السوري السابق، خاصة عقب سيطرتها على “نقطة الجزيرة” غربي بلدة معرية في كانون الأول 2024، وتحويلها إلى قاعدة عسكرية تضم دبابات ومنصات طائرات مسيّرة.
وتُعد هذه النقطة موقعاً استراتيجياً بين واديي الرقاد واليرموك، وتشرف على معظم قرى المنطقة، ما يمنح “الجيش الإسرائيلي” قدرة متزايدة على مراقبة الحدود السورية والأردنية.
قرية صغيرة بين حربين
قرية جملة، التي لا يتجاوز عدد سكانها أربعة آلاف نسمة، تقع على ضفاف وادي الرقاد، ويعتمد أهلها على الزراعة وتربية النحل كمصدر رزق. ومع ذلك، أصبحت القرية رمزاً لمعاناة سكان المناطق الحدودية الذين يعيشون بين نارين: الخوف من الاعتقال الإسرائيلي، والإهمال من جانب السلطات السورية.
في ظل هذا الواقع المربك، تبقى قضية المعتقلين من درعا والقنيطرة معلقة بين التصريحات الغامضة والغياب الرسمي، فيما يواصل الأهالي البحث عن إجابة بسيطة: أين أبناؤنا؟
اقرأ أيضاً:تصاعد التوغلات الإسرائيلية في القنيطرة: حواجز وتفتيش قرب الحدود