غضب شعبي في المزة بعد قطع أشجار حديقة الجلاء بذريعة “الاستثمار”

تشهد منطقة المزة في دمشق حالة من الغضب الشعبي بعد بدء عمليات قطع أشجار حديقة الجلاء، التي تُعدّ من آخر المساحات الخضراء المتبقية في العاصمة السورية. وعلى وقع أصوات المناشير ورائحة الخشب، وُثّقت خلال الأيام الماضية أعمال إزالة عشرات الأشجار المعمّرة من الصنوبر والسرو والأكاسيا، نفّذتها ورشات تابعة لمستثمر خاص وبموافقة رسمية من محافظة دمشق والضابطة الحراجية.

تقع الحديقة ضمن منشآت مدينة الجلاء الرياضية العائدة للاتحاد الرياضي العام، والتي خضعت خلال السنوات الماضية لاستثمارات تجارية وسياحية متكررة. ووفقاً لوثيقة رسمية صادرة عن محافظة دمشق، شملت عمليات القطع 10 أشجار سرو، و19 شجرة صنوبر، إضافة إلى شجرتين من الأكاسيا و8 أشجار فلفل كاذب. وأشار شهود إلى أن عملية الإزالة جرت بطرق “بدائية وغير مهنية”، حيث تم اقتلاع بعض الأشجار من جذورها دون تجهيز تقني، ما أدى إلى تلفها الكامل واستحالة إعادة زراعتها.

سكان حي المزة عبّروا عن استيائهم من هذه الخطوة، معتبرين أن الحديقة “آخر متنفس طبيعي في الحي”. يقول عمر السعدي، أحد القاطنين قرب الحديقة، إن “ما يجري هو تدمير لبيئة الحي وتحويله إلى مساحة إسمنتية”، فيما أعلنت مجموعة من الأهالي نيتهم تنظيم احتجاج سلمي أمام الحديقة للمطالبة بوقف الأعمال ورفع شكاوى رسمية ضد المستثمر.

وتقول خلود شمس الدين، وهي من سكان المنطقة: “هذه الحديقة ملك عام وليست مشروعاً تجارياً، لن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذا العبث”. ويشير آخرون إلى أن عمليات القطع تتركز قرب “برو جيم معلا”، حيث تتوسع الفعاليات التجارية داخل المساحة الخضراء. أحد الأهالي أوضح أن “الأمر بدأ بذريعة الترميم، ثم تحوّل إلى تجريف متواصل، ونحن نخشى أن تختفي الحديقة بالكامل”.

من جانبها، أوضحت مديرية الحدائق في محافظة دمشق لصحيفة “العربي الجديد” أن الإزالة تمت بناءً على طلب المستثمر وبموافقة لجنة فنية مشتركة بين المحافظة والاتحاد الرياضي، مع التأكيد على أن الأشجار المزالة “سيُعوّض عنها بأخرى جديدة”، غير أن التنفيذ لم يبدأ حتى الآن.

الخبير البيئي المهندس رائق البني وصف ما يجري بأنه “مخالف لقانون حماية البيئة رقم 50 لعام 2002”، الذي يمنع إزالة الأشجار في الحدائق العامة إلا لأسباب قاهرة وبموافقة رسمية وبشرط التعويض الفوري. وأضاف أن “نقل الأشجار بهذه الطريقة يعني عملياً قتلها، وليس الحفاظ عليها”.

القوانين المحلية تُلزم الجهات المنفذة بتعويض كل شجرة تُزال داخل المدينة بأخرى من النوع نفسه وبعمر مناسب، إلا أن الخبراء يؤكدون أن هذه القوانين نادراً ما تُطبق فعلياً، في ظل توسّع الاستثمارات التجارية على حساب الحدائق العامة. وتشهد دمشق بالفعل تراجعاً واضحاً في الغطاء النباتي، نتيجة مشاريع البناء والاستثمار التي طاولت الحدائق خلال السنوات الأخيرة، وسط غياب أي خطط جدية لإعادة التشجير أو حماية المساحات الخضراء.

بالنسبة لأهالي المزة، لا يتعلق الأمر بعدد الأشجار المقطوعة فحسب، بل بفقدان “رئة الحي” الأخيرة. يقول فؤاد القبواتي، وهو موظف متقاعد يسكن بالقرب من الحديقة: “كنا نقصدها يومياً للتنزه. اليوم تُسرق منا ببطء وبموافقة رسمية”.

في المقابل، نقل مصدر في الاتحاد الرياضي العام أن “الاستثمار القائم في مدينة الجلاء يهدف إلى تطوير المنشأة وتحسين الخدمات العامة”، مؤكداً أن “عمليات الإزالة تمت وفق خطة مصدّقة وبموافقة الجهات المختصة، وسيُصار إلى زراعة أشجار جديدة مكان القديمة”.

أما المستثمر فاكتفى، عبر وسيط إداري، بالقول إن “كل الإجراءات قانونية، والمشروع لا يمسّ الملكيات العامة بل يسعى إلى تحسين المرافق”. غير أن هذه التوضيحات لم تُقنع السكان الذين يؤكدون استمرارهم في تحركهم الاحتجاجي للمطالبة بوقف الأعمال فوراً.

حديقة الجلاء.. رئة المزة
تُعدّ حديقة الجلاء من أبرز الحدائق العامة في العاصمة دمشق، وتبلغ مساحتها نحو 20 ألف متر مربع، وتضم عشرات الأشجار المعمّرة من السرو والصنوبر والأكاسيا، إضافة إلى ممرات للمشاة وملاعب مفتوحة. أُنشئت الحديقة في ثمانينيات القرن الماضي ضمن منشآت مدينة الجلاء الرياضية لتكون متنفساً طبيعياً لسكان الأحياء الغربية من العاصمة.

ومع التوسع العمراني وازدياد الكثافة السكانية، أصبحت الحديقة آخر مساحة خضراء متاحة لأهالي المنطقة، ما يجعل أي محاولة لتقليصها أو استثمارها تجارياً تهديداً مباشراً لما تبقّى من البيئة العامة في دمشق.

اقرأ أيضاً:أزمة القمامة في دمشق: من مشكلة خدمية إلى هاجس يومي يهدد الصحة العامة

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.