إغلاق المدارس المسيحية وصراع المناهج يفاقم أزمة التعليم شرق سوريا

تتعمّق أزمة التعليم في مناطق شمال وشرق سوريا الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية”، بعد أن أغلقت الأخيرة عدداً من المدارس المسيحية الخاصة بالقوة، وأعادت هيكلة مئات المدارس الحكومية لتدريس مناهجها الخاصة، ما ترك آلاف الأطفال خارج مقاعد الدراسة، في ظل غياب بدائل تعليمية معترف بها رسمياً، وتصاعد الخلاف حول هوية المناهج ومضامينها.

ففي منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، أصدرت الإدارة الذاتية قراراً يقضي بإغلاق جميع المدارس الحكومية في مناطق سيطرتها وفرض مناهجها بدلاً من المناهج الرسمية الصادرة عن وزارة التربية السورية. وتبع القرار حملة ميدانية نفذتها “قوى الأمن الداخلي” (الأسايش)، أغلقت خلالها عدداً من المدارس المسيحية في مدينة القامشلي وريفها، بعد اقتحامها وطرد الإداريين والطلاب منها.

وشملت الحملة مدارس مار قرياقس التابعة للسريان الأرثوذكس في حي الأربوية، ومدرسة السلام للأرمن الكاثوليك، ومدرسة ميسلون للإنجيليين، ومدرسة فارس الخوري التابعة للطائفة الآشورية، ومدرسة الاتحاد للأرمن الأرثوذكس، بعد رفض إداراتها اعتماد مناهج الإدارة الذاتية في التعليم.

يقول عبد الكريم الإبراهيم، وهو معلم سابق في إحدى المدارس الحكومية في الحسكة، إن “الإدارة الذاتية حوّلت تدريجياً 1735 مدرسة حكومية إلى مؤسسات تعتمد مناهجها الخاصة، موزعة على محافظتي الحسكة والرقة وأجزاء من دير الزور”، مضيفاً أن الكوادر التدريسية الحكومية تم استبدالها بمعلمين جدد خضعوا لدورات مكثفة على المناهج الجديدة.

ويشير الإبراهيم إلى أن تلك المناهج “تركّز على الجانب الأيديولوجي أكثر من العلمي، وتفتقر إلى الاعتراف الرسمي من الحكومة السورية أو من المنظمات الدولية، ما يجعل شهادات الطلاب غير معترف بها خارج مناطق الإدارة الذاتية”. ويضيف أن هذا الواقع “يخلق فجوة تعليمية عميقة ويحرم آلاف الأطفال من حقهم في متابعة الدراسة”.

من داخل القامشلي، يختصر صوت الأطفال معاناتهم. يقول رامي حيدر، البالغ من العمر 12 عاماً، أحد طلاب مدرسة فارس الخوري المغلقة: “اشتقت لمدرستي وأصدقائي. كنت أتعلم العربية والإنكليزية وأرسم كل يوم. الآن أجلس في البيت، وأمي تحاول أن تدرسني لكنها لا تفهم كل شيء”.

أما الطفلة ريتا ملكي (10 أعوام) فتجلس أمام منزلها تتأمل حقيبتها المدرسية المغلقة منذ أسابيع، وتقول: “كنت أحب الذهاب إلى المدرسة الحكومية كل صباح، أشتاق لصديقتي نادين ومعلمتي لينا. الآن أبقى في البيت طوال الوقت”.

مشاهد كهذه باتت مألوفة في القامشلي والحسكة والرقة، حيث يواجه الأهالي حالة من العجز أمام إغلاق المدارس وغياب بدائل واضحة. يقول جان علي، وهو والد لثلاثة تلاميذ تضرروا من القرار: “أغلقت المدارس التابعة للكنيسة الأرمنية، وبقي أطفالي في المنزل بلا تعليم. لا نثق بمناهج الإدارة الذاتية لأنها مؤدلجة وغير معترف بها، بينما المدارس الحكومية تحوّلت إلى مدارس تدرّس مناهج الإدارة الذاتية. لا نعرف إلى أين نذهب”.

ويضيف علي أن بعض الأهالي يحاولون تدريس أبنائهم في المنزل، لكن “معظم العائلات لا تملك المؤهلات أو الوقت لذلك، ما دفع البعض للتفكير بالهجرة إلى مناطق أخرى بحثاً عن مدارس معترف بها”.

من جانبها، تقول المعلمة لينا يوحنا، مدرسة اللغة الإنكليزية في مدرسة السلام بالقامشلي، إن القرار “يشكّل ضربة قاسية لآلاف الأطفال الذين وجدوا في هذه المدارس بيئة تعليمية تحترم التنوع الثقافي والديني”. وتوضح أن “المدارس المسيحية لم تكن محصورة بأبناء الطوائف المسيحية فقط، بل ضمّت نحو 3500 طالب من مختلف المكونات، وكانت تجمع بين جودة التعليم واحترام التعدد اللغوي والثقافي”.

وتضيف يوحنا أن “الفراغ التعليمي الحالي سيترك آثاراً خطيرة على المدى البعيد، إذ سيؤدي إلى تسرب مبكر من المدارس وزيادة في عمالة الأطفال والزواج المبكر، وربما الهجرة الجماعية للعائلات الباحثة عن تعليم بديل”.

وتطالب يوحنا بإعادة فتح المدارس الحكومية والمسيحية، وترك حرية الاختيار للأهالي في تحديد المناهج التي يرغبون بتدريسها لأبنائهم، بعيداً عن التجاذبات السياسية والفكرية. وتؤكد أن “مستقبل الأطفال لا يجب أن يكون ورقة في صراع المناهج”.

وبينما تستمر حالة الإغلاق وتتعطل العملية التعليمية في عشرات المدارس، لا تلوح في الأفق حلول قريبة للأزمة، ما يهدد جيلاً كاملاً بالحرمان من التعليم. وبين شد وجذب بين أطراف الصراع على المناهج، يبقى آلاف الأطفال في شمال شرق سوريا عالقين بين الحلم بالعودة إلى مقاعد الدراسة، وواقعٍ يزداد قسوة يوماً بعد يوم.

اقرأ أيضاً:كارثة التعليم في مناطق الحكومة السورية: نقل تعسفي، رواتب مقطوعة، ومدارس غير آمنة

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.