اتفاقيات النقل هل ستعيد سوريا إلى الخريطة الإقليمية
شهدت دمشق انعقاد الاجتماع السنوي للهيئة العامة لاتحاد شركات نقل البضائع الدولي في سوريا لعام 2025، حيث خرجت الجلسات بجملة من التوصيات الاستراتيجية التي تهدف إلى تعزيز موقع البلاد كمحور لوجستي إقليمي. وأكد المشاركون على أهمية التكامل مع دول الجوار، خاصة عبر اعتماد اتفاقيات التعاون الموقعة مع تركيا والأردن، إلى جانب دعوة هيئة الاستثمار السورية لإطلاق خريطة استثمارية خاصة بقطاع النقل واللوجستيات، تشمل إنشاء مناطق لوجستية وموانئ جافة على المحاور الدولية، وإطلاق منصة إلكترونية وطنية للشحن (بورصة شحن) لزيادة الشفافية وربط الناقلين بأصحاب البضائع.
تحديات النقل وخطط التحديث
وزير النقل السوري، الدكتور يعرب بدر، لخص في كلمته أبرز التحديات التي تواجه قطاع نقل البضائع، وعلى رأسها صعوبة وصول الشاحنات السورية إلى الأسواق المجاورة نتيجة امتناع معظم الدول عن منح تأشيرات دخول للسائقين. وأشار إلى أن الوزارة تعمل منذ أشهر على وضع سياسة وطنية جديدة تستند إلى تقييم معمق للواقع الراهن، بهدف الارتقاء بالقطاع عبر أدوات تشريعية وفنية وتنظيمية حديثة.
وكشف بدر عن العمل على تحديث التشريعات الناظمة لقطاع نقل البضائع وإعداد قانون جديد يتماشى مع المتغيرات، بالتوازي مع رؤية لتأسيس هيئة ناظمة متخصصة، إلى جانب استثمار التحول الرقمي عبر إنشاء منصة موحدة تربط بين الناقلين والمستثمرين والتجار والصناعيين. كما شدد على ضرورة تحديث أسطول الشاحنات وتزويده بمركبات حديثة وخفيفة الوزن تتوافق مع المعايير المعتمدة في الدول المجاورة.
قطاع متضرر وجهود للإنعاش
من جهته، أكد رئيس اتحاد شركات شحن البضائع الدولي في سوريا، محمد صالح كيشور، أن قطاع النقل يمثل “عصب الاقتصاد”، لكنه تضرر بشكل كبير خلال السنوات الماضية رغم أن سوريا كانت تتصدر سابقًا الدول العربية في عدد الشاحنات. وأوضح أن نحو 60% من الأسطول السوري تضرر، وأن العدد الحالي يبلغ 22 ألف شاحنة و10 آلاف شاحنة مبردة.
وأشار كيشور إلى أن الجهود الحالية تتركز على إعادة تطوير الأسطول، بالاستناد إلى الاتفاقيات الموقعة مع اتحاد النقل التركي والنقابة اللوجستية الأردنية، بما يساهم في استعادة الدور السوري في مجال النقل الإقليمي والدولي.
اتفاقيات تعاون إقليمية
خلال الاجتماع، وقع اتحاد شركات النقل السوري مذكرة تفاهم مع هيئة النقل الدولية التركية (UND) لتعزيز التعاون في النقل والعبور، بما يشمل تطوير النقل الثنائي وضمان سير العمليات بكفاءة عبر المعابر الحدودية، إضافة إلى تبادل المعلومات وبناء القدرات وإنشاء فريق عمل مشترك لمتابعة التنفيذ. كما تم توقيع اتفاقية تعاون مع النقابة اللوجستية الأردنية لتبادل الخبرات والتدريب، واتفاقية أخرى مع شركة العقيلة للتأمين التكافلي لتقديم الخدمات التأمينية لشركات الشحن والنقل الدولي والترانزيت.
ارتفاع نشاط الترانزيت
في هذا السياق، أوضح رئيف أي، ممثل شركة أوزجيماي لوجيستيك التركية، أن حركة الشاحنات ارتفعت بشكل ملحوظ، إذ كانت تتراوح سابقًا بين 40 و50 شاحنة ترانزيت يوميًا، بينما وصل العدد اليوم إلى 550 شاحنة، معتبرًا أن مذكرة التفاهم الأخيرة ستعزز هذا النمو.
موقع استراتيجي ودور محوري
خلود حلبي، عضو اتحاد شركات نقل البضائع والوكيل الحصري لشركة DHL في سوريا، رأت أن الاتفاقيات الأخيرة ستسهل عمليات النقل التي تشكل ركيزة للاقتصاد الوطني، مشيرة إلى أن الموقع الجغرافي لسوريا يجعلها محورًا أساسيًا لحركة النقل بين الشمال والجنوب والشرق والغرب.
أما عضو الاتحاد حسن عجم، فاعتبر أن إعادة تفعيل علاقات سوريا مع الدول العربية والأجنبية، ولا سيما في مجال النقل والترانزيت، يشكل خطوة محورية بعد سنوات من الانقطاع، لافتًا إلى أن مذكرات التفاهم الموقعة ستنعكس إيجابًا على الاقتصاد والمواطن عبر تسريع العبور وتخفيض الرسوم الجمركية، وبالتالي خفض التكاليف على المستهلك.
إزالة العقبات والانفتاح التجاري
المستشار القانوني للاتحاد، المحامي جمال إسماعيل، أشار إلى أن الاجتماعات الأخيرة هدفت إلى تسهيل حركة النقل مع لبنان والأردن وإزالة العقبات التي تراكمت خلال سنوات الحرب، معتبرًا أن مشاركة ممثلين عن سفراء وهيئات نقل عربية وأجنبية تعد سابقة لم تحدث منذ سنوات طويلة.
وفيما يخص معبر باب الهوى في إدلب، أوضح نائب رئيس غرفة تجارة وصناعة إدلب، محمد بدوي، أن الحكومة السورية قدمت تسهيلات واسعة في مجال التخليص الجمركي وإدخال البضائع بعد التحرير، الأمر الذي ساهم في تنشيط حركة الترانزيت والتبادل التجاري، مشيرًا إلى وجود نحو ستة آلاف تاجر في إدلب باتوا اليوم أمام فرص أوسع للانفتاح التجاري مع دول المنطقة.
خطوة نحو استعادة الدور الإقليمي
يعكس هذا الاجتماع التفاؤل بقدرة سوريا على استعادة موقعها الريادي في مجال النقل الإقليمي، من خلال تحديث البنية التحتية اللوجستية وتوقيع اتفاقيات تعاون مع تركيا والأردن، إلى جانب شراكات مع القطاع الخاص. ومع عودة نشاط الترانزيت وتفعيل المعابر، تبدو سوريا أمام مرحلة جديدة تعزز اندماجها في الخريطة التجارية الإقليمية، وترسم ملامح رؤية وطنية للنهوض بالاقتصاد.
اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة